الدار الآخرة هي المستقر
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) وهذه الكلمة مصدر كالحياة ، وقيل : الحياة التي لا موت فيها ، لأنها التي تعبر عن معنى الحياة بكل دقائقها ومفرداتها ، فلا فراغ فيها للعدم ، ولذلك فإن الاهتمام بها والتخطيط لها ، يحملان في داخلهما الحصول على الحياة الخالدة التي يملك فيها الإنسان حياته ومصيره المشرق الذي ينير له كل مواقع الرضوان الإلهي والنعيم الدائم. ولكن المسألة تحتاج إلى وعي كامل للخط والوسيلة والهدف ، ومعرفة ممتدّة عميقة واسعة ، مما قد يجهل الكثيرون من الناس طبيعته وخطورته ليتداركوا الأوضاع السلبية التي يتحركون فيها (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ولكن الغفلة المطبقة على عقولهم تمنعهم من ذلك كله.
وعلى ضوء هذه المقارنة بين الحياة الدنيا ، التي تحمل دور الحالة الطارئة التي تنتظر الموت في نهايتها ، وبين الدار الآخرة التي تمثل الحياة الخالدة التي لا موت فيها ، نستطيع استيحاء الفكرة التي تجعل الثبات للدور الإنساني في الحياة قائما على الخط الذي يربط بين الدنيا والآخرة من خلال الرسالة التي تحكم تفكير الإنسان وخطواته وتطلعاته في علاقته بالله ، مما يجعل دنياه آخرة في نتائجها الممتدة بامتداد نتائج الرسالة في قضية المصير ، كما يجعل من الآخرة عنوانا للدنيا وهدفا لها. وبذلك نفهم أن الإسلام لا يرفض الحياة الدنيا ، إلا من خلال اعتبارها فرصة للهو واللعب الذي لا يجعل لها عمقا في المصير ، ولذلك فإنه يقبلها ويدعو إليها ويعتبرها قيمة روحية إذا تحركت في خط الرسالة المنفتحة على الله في رضوانه وعلى الجنة التي وعد الله بها المتقين في الدار الآخرة.
* * *