المتحرك في مواقع الرئاسة ، وفي تجمعات الأتباع والأنصار ، وفي الشهوات الحسية ، وما إلى ذلك من شؤون الحياة وقضاياها ، مما يأخذ الناس به فترة يشغلون بها أنفسهم ويستغرقون فيها بالمستوى الذي يفصلهم عن القضايا المهمّة المرتبطة بمصيرهم ، ويشغلهم عن التفكير في أعماق ذواتهم ، وعن المستقبل في اليوم الآخر ، ثم يتركونه عند ما تهرب منهم الفرص ، وهم أحياء ، أو عند ما تضيع منهم الحياة أمام استحقاق الموت ، مما يجعل المسألة في طبيعتها مسألة لهو يملأ فراغ الإنسان ويشغل حياته ، ثم يفارقه بعد وقت قصير ، من دون أن يبقى له منه إلا الانفعالات التي سرعان ما تتبخر وتذوب أمام الأحداث الجديدة ، أو اللهو الجديد.
هذه هي الروحية التي تكمن وراء تعامل الناس مع قضايا الدنيا ، فلا نلمح فيها إلا الحالات الانفعالية السريعة التي يجتمع فيها الناس حول هذه الأمور التي يتولعون فيها ، ويستغرقون في لذائذها وشهواتها وحركاتها ، ثم تنتهي فرصة ذلك ، ويتفرقون ، ويترك كل واحد منهم صاحبه ، كما يترك أدوات الشغل التي تأخذ كل اهتماماته ، تماما كما هو اللعب الذي لا يحمل في داخله أيّ هدف يمتد بامتداد الزمن ، بل يحمل في عمقه الانفعال المزاجي الذي يلتهب في الذهن وفي العاطفة ، ثم يتبخر ليواجه الفراغ الجديد الذي يعيش الرعب أمام الاستحقاقات الصعبة.
إن هذه الحياة الدنيا التي تتجرد عن قضية الرسالة التي تمنحها امتدادا وبقاء وعمقا هي لهو ولعب ، لأنها لا تملأ الفراغ بما يبقى ، بل تشغله بما يفنى ، ثم يترك الإنسان ذلك كله ليواجه الفراغ القاتل في غياهب الظلام.
* * *