علاقة الآية بتحريم الغناء ، وحدوده
وإذا كانت بعض الأحاديث المأثورة قد فسّرت لهو الحديث بقصص الأكاسرة والجبابرة ، أو بالغناء ، فإن الجوّ الذي تتحرك به الآية أوسع من ذلك ، فهي تتحرك في خط النتائج العملية لما يقدمه هؤلاء من أحاديث يحاولون من خلالها إشغال الناس عن كلمات الله وعن دينه ، مما يجعل القضية المرفوضة والإنذار بالعذاب في نطاق السلوك الذي يتحرك فيه هؤلاء الناس ، من خلال الهدف الشرّير ، بعيدا عن طبيعة المضمون الذاتي للأحاديث ، لأن نقل قصص الماضين من الطغاة والجبابرة ليس محرّما في ذاته ، ما لم يؤكد غاية محرمة في حركته ، كما أن اعتبار الغناء مصداقا من مصاديقه أو تفسيرا من تفاسيره ، يوحي بأن المراد به المضمون الغنائي الذي يدفع إلى الإضلال ، أو اللحن الغنائي الذي يثير المشاعر المنحرفة المملوءة بالإغراء والإغواء ، فيؤدي إلى الضلال في الأخلاق وفي السلوك ، فإن ذلك هو الذي يتناسب مع جوّ الآية ومعناها.
أمّا الغناء الذي يتضمن الإيمان والخير والزهد والحديث عن القيم الروحية والأخلاقية ، فإنه لا يندرج تحت هذه الآية ، لأنه يقود إلى الهدى ، ويبعد عن الضلال. وهكذا تكون النظرة إلى اللحن الغنائي الذي ينساب في المشاعر بإيحاءات الصفاء والسموّ والطهارة ويبعث على هدوء الأعصاب ، وإزالة التوتّر ، وانفتاح الروح على آفاق الفرح الروحي في محبة الله ، فإن مثل هذا اللحن الذي يهذّب الروح ، ويروض الغريزة ، ويهدّئ مشاعر القلق الحائر المجنون ، يدفع الإنسان إلى الخير والنقاء والهدوء والصفاء ، بدلا من الضياع والشرّ والجنون ، مما يجعل من انطباق الآية على مورده ، وسيلة لتحديد الحرام في دائرة ضيقة لا تتسع لذلك.