وإذا تأملت أحاديث الصفات رأيت هذا لائحا على صفحاتها باديا على ألفاظها ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنكم ترون ربكم عيانا كما ترى الشمس في الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب ، وكما نرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ولا حاجب يحجبه» (٢) فلما كان كلام الملوك قد يقع بواسطة الترجمان ومن وراء الحجاب أزال هذا الوهم من الأفهام.
وكذلك لما قرأ صلىاللهعليهوسلم : «وكان الله سميعا بصيرا» (٣) وضع إبهامه على أذنه وعينه رفعا لتوهم متوهم أن السمع والبصر غير العينين المعلومتين ، وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة ، كما في الحديث الصحيح أنه قال : «يقبض الله سماواته بيده والأرض بيده الأخرى ، ثم جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقبض يده ويبسطها» (٤) تحقيقا لإثبات اليد وإثبات صفة القبض.
__________________
(١) تقدم تخريجه في أول الكتاب وهو في «الصحيحين».
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٣٩) ، ومسلم في (الزكاة / ١٠١٦).
(٣) (صحيح) أخرجه الحاكم (١ / ٢٤) وقال : حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال : على شرط مسلم ، ورواه ابن حبان في «صحيحه» (٢٦٥ ـ إحسان) من حديث أبي هريرة ورواه البيهقي في «الأسماء والصفات» ، وقال الحافظ في «الفتح» :
أخرجه أبو داود بسند قوى على شرط مسلم من رواية أبي يونس عن أبي هريرة : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرؤها : يعني قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ـ إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ويضع إصبعيه ، قال أبو يونس : وضع أبو هريرة إبهامه على أذنه والتى تليها على عينه.
قال البيهقي : وأراد بهذه الإشارة تحقيق إثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الإنسان ، يريد أن له سمعا وبصرا لا أن المراد به العلم ، فلو كان كذلك لأشار إلى القلب لأنه محل العلم ، ولم يرد بذلك الجارحة فإن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين ثم ذكر البيهقي لحديث أبي هريرة شاهدا من حديث عقبة بن عامر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول على المنبر : «إن ربنا سميع بصير» وأشار إلى عينيه» قال الحافظ : وسنده حسن أه انظر الفتح (١٣ / ٣٨٥).
(٤) تقدم تخريجه وهو في «الصحيحين».