لأمور عقلية تعجز عن إدراكها عقول الجمهور ، فتأويلها جناية على الشريعة والحكمة.
وحقيقة الأمر عند هذه الطائفة أن الذي أخبرت به الرسل عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وعن اليوم الآخر لا حقيقة له تطابق ما أخبروا به ، ولكنه أمثال وتخييل وتفهيم بضرب الأمثال. وقد ساعدهم أرباب التأويل على هذا المقصد في باب معرفة الله وأسمائه وصفاته ، وصرحوا في ذلك بمعنى ما صرح به هؤلاء في باب المعاد وحشر الأجساد بل نقلوا كلماتهم بعينها إلى نصوص الاستواء والفوقية ، ونصوص الصفات الخبرية ، لكن هؤلاء أوجبوا أو سوغوا تأويلها بما يخرجها عن حقائقها وظواهرها ، وظنوا أن الرسل قصدت ذلك من المخاطبين تعريضا لهم إلى الثواب الجزيل ببذل الجهد في تأويلها واستخراج معاني تليق بها ، وأولئك حرموا التأويل ورأوه عائدا على الشريعة بالإبطال والطائفتان متفقتان على إبطال حقائقها المفهومة منها في نفس الأمر.
والصنف الثالث : أصحاب التجهيل الذين قالوا : نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها ولا يدرى ما أراد الله ورسوله منها ، ولكن نقرؤها ألفاظا لا معاني لها ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله ، وهي عندنا بمنزلة (كهيعص) (وحم ـ عسق) و (المص). فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلا ولا تشبيها. ولم نعرف معناه ، وننكر على من تأوله ، ونكل علمه إلى الله تعالى. وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ، ولا يفهمون معنى قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، وقوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (الزمر : ٦٧) ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) وأمثال ذلك من نصوص الصفات.
وبنوا هذا المذهب على أصلين (أحدهما) أن هذه النصوص من المتشابه. (الثاني) أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله ، فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأنهم كانوا يقرءون هذه الآيات المتعلقة بالصفات ولا يعرفون معنى ذلك ولا ما