شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية المكملة الإلهية المضبوطة بالبراهين العقلية ، فاتفق على الشهادة بثبوته العقل والسمع والفطرة. فإذا قال المثبت : يا الله ، قام بقلبه رب قيوم قائم بنفسه. مستو على عرشه. مكلم. متكلم. سامع. قدير. مريد. فعال لما يريد. يسمع دعاء الداعين ، ويقضي حاجات السائلين ، ويفرج عن المكروبين ، ترضيه الطاعات ، وتغضبه المعاصى. تعرج الملائكة بالأمر إليه ، وتنزل بالأمر من عنده.
وإذا شئت زيادة تعريف بهذا المثل الأعلى فعد قوى جميع المخلوقات اجتمعت لواحد منهم ، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد ، فإذا نسبت قوتهم إلى قوة الرب تعالى لم تجد نسبة إليها البتة ؛ كما لا تجد نسبة بين قوة البعوضة وقوة الأسد ، وإذا قدرت علوم الخلائق واجتمعت لواحد ثم قدرت بهذه المثابة كانت علومهم بالنسبة إلى علمه تعالى كنقرة عصفور في بحر وكذا في حكمته وكماله. وقد نبهنا سبحانه وتعالى على هذا المعنى بقوله (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان : ٢٧) فقدر البحر المحيط بالعالم مدادا ووراءه سبعة أبحر تحيط به كلها مدادا يكتب به كلمات الله ، نفذت البحار ونفذت الأقلام التى لو قدرت جميع أشجار الأرض من حين خلقت إلى أخر الدنيا ولم تنفذ كلمات الله.
وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم : «أن السموات السبع في الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله» (١) وهو سبحانه فوق عرشه يعلم ويري ما عباده عليه.
فهذا هو الذي قام بقلوب المؤمنين المصدقين العارفين به سبحانه المثل الأعلى
__________________
(١) (ضعيف الإسناد وهو صحيح لغيره) أخرجه البيهقي في «الأسماء» (٢٩٠) بسند ضعيف ، ورواه ابن جرير الطبري في «التفسير» (٥ / ٣٩٩) ، وقال الشيخ الألباني في «مختصر العلو» : وهذا إسناد رجاله ثقات لكنى أظن أنه منقطع أه وانظر «الصحيحة» (١٠٩).