على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل ، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بمماليكهم إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه.
فلا بد من أحد أمور ثلاثة : إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه ، وإما أن يعلو بعضهم على بعض ، واما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه ـ ويمتنع من حكمهم ولا يمتنعون من حكمه ؛ فيكون وحده هو الإله وهم العبيد المربوبون المقهورون. وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض ؛ وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد من أدل دليل على أن مدبره واحد. لا إله غيره. كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد لا رب غيره. فذاك تمانع في الفعل والإيجاد. وهذا تمانع في الغاية والألوهية. فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان. يستحيل أن يكون له إلهان معبودان.
ومن ذلك قوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (لقمان : ١١) فالله ما أحلى هذا اللفظ وأوجزه وأدله على بطلان الشرك : فإنهم ان زعموا أن آلهتهم خلقن شيئا مع الله ؛ طولبوا بأن يروه اياه. وان اعترفت أنها أعجز وأضعف وأقل من ذلك كانت آلهتها باطلا ومحالا.
ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ؟ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (الأحقاف : ٤) فطالبهم بالدليل السمعي والعقلي.
وقال تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ قُلِ اللهُ ـ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا؟ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ؟ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ؟ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد : ١٦) فاحتج على تفرده بالإلهية بتفرده بالخلق ، وعلى بطلان إلهية ما سواه بعجزهم عن الخلق ، وعلى أنه واحد بأنه قهار ، والقهر التام يستلزم الوحدة ، فإن الشركة تنافي تمام القهر.