أصابني مكروه فليس ذلك من قبل هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله ، وهي أقل من ذلك فإنها ليست ممن يرجى أو يخاف ، بل يكون ذلك الذي أصابني من قبل الحي الفعال الذي يفعل ما يشاء بيده الضر والنفع ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ثم ذكر سعة علمه سبحانه في هذا المقام ، منها على موقع احتراز لطيف وهو أن لله تعالى علما فيّ وفيكم وفي هذه الآلهة لا يصل إليه علمي ، فإذا شاء أمرا من الأمور فهو أعلم بما يشاؤه ، فإنه وسع كل شيء علما. فإن أراد أن يصيبني بمكروه لا علم لي من أي جهة آتاني فعلمه محيط بما لا أعلمه وهذا غاية التفويض والتبري من الحول والقوة وأسباب النجاة ، وأنها بيد الله لا بيدي.
وهكذا قول شعيب صلىاللهعليهوسلم لقومه (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا. وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (الأعراف : ٨٩) فردت الرسل بما يفعله الله وأنه إذا شاء شيئا فهو أعلم بما يشاؤه ولا علم لنا بامتناعه.
ثم رجع الخليل إليهم ، مقررا للحجة فقال : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) يعني في إلهيته (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) يقول لقومه : كيف يسوغ في عقل أن أخاف ما جعلتموه لله شريكا في الإلهية وهي ليست موضع نفع ولا ضر ، وأنتم لا تخافون إنكم أشركتم بالله في الإلهية أشياء لم ينزل بها حجة عليكم ، والذي أشرك بخالقه وفاطره ـ فاطر السموات والأرض ورب كل شيء ومليكه ـ آلهة لا تخلق شيئا وهي مخلوقة ، ولا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وجعلها ندا له ومثلا في الإلهية ؛ أحق بالخوف ممن لا يجعل مع الله إله آخر وحده وأفرده بالإلهية والربوبية والقهر والسلطان والحب والخوف. والرجاء ؛ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ فحكم الله