نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (الشورى : ٥٢) وقال تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (الضحى : ٦ ـ ٨) وتفسير هذه الآية بالآية التي في آخر سورة الشورى. إذا كان أعقل الخلق على الإطلاق إنما حصل له الهدى بالوحى كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ : ٥٠) فكيف يحصل لسفهاء العقول واخفاء الأحلام ، الاهتداء إلى حقائق الإيمان بمجرد عقولهم دون نصوص الوحي ، حتى اهتدوا بتلك الهداية إلى المعارضة بين العقل ونصوص الأنبياء (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (مريم : ٨٩ ـ ٩٠).
الوجه الخامس والأربعون : إن الله سبحانه إنما أقام الحجة على خلقه بكتابه ورسله فقال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان : ١) وقال تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (الأنعام : ١٩) فكل من بلغه هذا القرآن فقد أنذر به وقامت عليه حجة الله وقال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء : ١٦٥) ، وقال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) ، وقال تعالى : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ. وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (الملك : ٨ ـ ١١) فلو كان كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين والعلم ، والعقل معارض له ، فأى حجة تكون قد قامت على المكلفين بالكتاب والرسل؟ وهل هذا القول إلا مناقض لإقامة حجة الله بكتابه من كل وجه؟.