والبصر والفعل باليدين والمجىء والإتيان (١). وذكر ضد صفات الأصنام التي جعل امتناع هذه الصفات فيها دليلا على عدم إلهيتها.
فتأمل آيات التوحيد والصفات في القرآن على كثرتها وتفننها واتساعها وتنوعها تجدها كلها قد أثبتت الكمال للموصوف بها وأنه المنفرد بذلك الكمال ، فليس له فيه شبيه ولا مثيل ، وأي دليل في العقل أوضح من إثبات الكمال المطلق لخالق هذا العالم ومدبره وملك السموات والأرض وقيومهما؟ فإذا لم يكن في العقل إثبات جمع الكمال له فأي قضية تصح في العقل بعد هذا؟ ومن شك في أن صفة السمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والقدرة والغضب والرضى والفرح والرحمة كمال فهو ممن سلب خاصة الإنسانية وانسلخ من العقل. بل من شك أن إثبات الوجه واليدين وما أثبته لنفسه معهما كمال فهو مصاب في عقله.
ومن شك أن كونه يفعل باختياره ما شاء ويتكلم إذا شاء ، وينزل إلى حيث يشاء ، ويجيء إلى حيث شاء غير كمال فهو جاهل بالكمال ، والجماد عنده أكمل من الحي الذي تقوم به الأفعال الاختيارية ؛ كما أن عند الجهمي أن الفاقد لصفات الكمال أكمل من الموصوف بهما ، كما أن عند أستاذهما وشيخهما الفيلسوف أن من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا له حياة ولا قدرة ولا إرادة ؛ ولا فعل ولا كلام ، ولا يرسل رسولا ، ولا ينزل كتابا ، ولا يتصرف في هذا العالم بتحويل وتغيير وإزالة ونقل وإماتة وإحياء ، أكمل ممن يتصف بذلك.
__________________
(١) وفي المجىء والإتيان قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) وقوله : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ، وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا).
قال الشيخ السلمان : في هذه الآيات إثبات الإتيان والمجىء والنزول على ما يليق به وهذه من الأفعال الاختيارية المتعلقة بالمشيئة والقدرة ، فينزل يوم القيامة لفصل القضاء بين الناس ، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقي ثلث الليل الآخر وغير ذلك على ما وردت به النصوص وكما يشاء جل وعلا ، وأفعاله سبحانه قائمة به فيجب إثباتها له على الوجه اللائق بجلاله وعظمته ... إلخ كلامه فلينظر (المصدر السابق ص ٥٥).