وقال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد : ٨ ـ ١٠) نبه بهذا الدليل العقلي القاطع أن الذي جعلك تتصرف وتتكلم وتعلم أولى أن يكون بصيرا متكلما عالما. وأي دليل عقلي قطعي أقوى من هذا وأبين وأقرب إلى العقول؟ (١).
وقال تعالى في آلهة المشركين المعطلين (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها ، أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها ، أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها ، أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (الأعراف : ١٩٥) فجعل سبحانه عدم البطش والسمع والمشى والبصر لهم ، دليلا على عدم إلهية من عدمت منه هذه الصفات. وقد وصف الله سبحانه نفسه بضد صفة أوثانهم وبضد ما وصفه به المعطلة والجهمية. فوصف نفسه بالسمع
__________________
(١) وقال الشيخ عبد العزيز السلمان في الإيمان بصفة الكلام لله : ـ
هو الاعتقاد الجازم بأن الله متكلم بكلام قديم النوع حادث الآحاد ، وأنه لم يزل يتكلم بحرف وصوت بكلام يسمعه من شاء من خلقه ، سمعه موسى عليهالسلام من غير واسطة ، ومن أذن له من ملائكته ورسله ، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه ... ثم ذكر الآيات والأحاديث الدالة على ذلك (فانظره) ثم قال :
في هذه الآيات أولا إثبات صفة الكلام لله عزوجل وأنه لا أحد أصدق من الله قيلا ، وفيها رد على من زعم أن كلام الله هو المعنى النفسي ؛ لأن المعنى النفسي المجرد لا يسمع ثالثا : فيه إثبات القول والنداء والنهى والنجاء ، رابعا : فيه إثبات الحرف والصوت على ما يليق بجلاله وعظمته وفيه الكلام لله حقيقة لأنه أكده بالمصدر لنفى المجاز ، والعرب لا تؤكد بالمصدر إلا إذا كان على الحقيقة ، خامسا : فيه دليل على أن نوع الكلام قديم ، والكلام صفة ذات من حيث تعلقها بذاته تعالى واتصافه به ، ومن الصفات الفعلية حيث كانت متعلقة بالمشيئة والقدرة ، سادسا : ارتجاف السموات بكلام الله وأنها تسمع كلامه تعالى ، سابعا : أن الغشي يعم أهل السموات ، ثامنا : فيه إثبات عظمته ، وذلك يوجب للعبد خوفه منه تعالى ، وفيه إثبات الإرادة لله ، وفيه رد على الأشاعرة في قولهم إن القرآن عبارة عن كلام الله ، وفي الحديث صفة العلو لله وأنه الكبير الذي لا أكبر منه ولا أعظم منه تبارك وتعالى ، وفيه دليل على حشر الخلق لا نعال لهم ولا لباس عليهم ، وفيه إثبات صفة الملك وإثبات الجزاء على الأعمال وفيه إثبات الأمر ، وفيه أن كلامه سبحانه حين يناد بصوت يستوى في سماعه البعيد والقريب والله أعلم أه (مختصر الاسئلة ص ٩٣ ـ ٩٥).