حمدني عبدي ؛ فإن قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى على عبدي ، فإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي (١) فإن قال هذه كلها حوادث ، وهو منزه عن حلول الحوادث.
وقالت الجهمية : نحن نثبت قديما واحدا ، ومثبتوا الصفات يثبتون عدة قدماء. قال : والنصارى أثبتوا ثلاثة قدماء مع الله تعالى. فكفرهم ، فكيف من أثبت سبعة قدماء أو أكثر؟
فانظر إلى هذا التدليس والتلبيس الذي يوهم السامع أنهم أثبتوا قدماء مع الله تعالى وإنما أثبتوا قديما واحدا بصفاته ، وصفاته داخلة في مسمى اسمه كما أنهم إنما أثبتوا إلها واحدا ولم يجعلوا كل صفة من صفاته إلها بل هو الإله الواحد بجميع أسمائه وصفاته ، وهذا بعينه متلقي من عباد الأصنام المشركين بالله تعالى المكذبين لرسوله حيث قالوا : يدعو محمد إلى إله واحد ثم يقول يا الله يا سميع يا بصير ، فيدعوا آلهة متعددة فأنزل الله (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فأي اسم دعوتموه به فإنما دعوتم المسمى بذلك الاسم ، فأخبر سبحانه أنه إله واحد وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته ، ولهذا كانت حسنى ، وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله اسماء محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق لم تكن حسنى ، ولو كانت اسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها. فدلت الآية على توحيد الذات وكثرة النعوت والصفات.
__________________
(١) جزء من حديث أخرجه مسلم في (الصلاة / ٣٩٥) عن أبي هريرة قال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «قال الله تعالى : قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى على عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجدني عبدي.
(وقال مرة فوض إلي عبدي) فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بينى وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».