وإذا قالوا «حشوية» : صوروا في ذهن السامع إنهم حشوا في الدين ما ليس منه ؛ فتنفر القلوب من هذه الألقاب. ولو ذكروا حقيقة قولهم لما قبلت القلوب السليمة والفطر المستقيمة سواه. فكيف يترك الحق لأسماء سموها هم وأسلافهم ما أنزل الله بها من سلطان ، وألقاب وضعوها من تلقاء أنفسهم لم يأت بها سنة ولا قرآن. وشبهات قذفت بها قلوب ما استنارت بنور الوحي (ولا) خالطها بشاشة الإيمان. وخيالات هي بتخيلات الممردين وأصحاب الهوس أشبه منها بقضايا العقل والبرهان. ووهميات نسبتها إلى العقل الصحيح كنسبة السراب في الأبصار في القيعان. وألفاظ مجملة ومعان مشتبه قد لبس فيها الحق بالباطل فصارت ذا خفاء وكتمان.
فدعونا من هذه الدعاوى الباطلة التي لا تفيد (إلا) إتعاب الإنسان. وكثرة الهذيان. وحاكمونا إلى الوحى والقرآن. لا إلى منطق يونان. ولا إلى قول فلان ورأى فلان فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان ، وهذه سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم مطابقة له أعظم من مطابقة البيان للسان. وهذه أقوال أعقل الأمم بعده والتابعين لهم بإحسان لا يختلف منهم في هذا الباب اثنان ولا يوجد عنهم فيه قولان متنافيان ، بل قد تتابعوا كلهم على إثبات الصفات وعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه ، وإثبات تكلمه وتكليمه وسائر ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله صلىاللهعليهوسلم كتتابع الأسنان. وقالوا للأمة هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم وإلى من بعدكم إلى آخر الزمان وهذا هو الذي نادى به المنادي وأذن على رءوس الملأ في السر والإعلان. فحي على الصلاة وراء هذا الإمام يا أهل الإيمان وحي على الفلاح بمتابعته يا أهل القرآن. والصلاة خير من النوم في ظلمة ليل الشرك والإفك والكفران فلا تصح القدوة بمن أقر على نفسه وصدقه المؤمنون بأنه تائه في بيداء الآراء والمذاهب حيران ، وأنه لم يصل إلى اليقين بشيء منها لا وهو ولا من قبله على تطاول الزمان. وإن غاية ما وصلوا إليه الشك والتشكيك ولقلقة اللسان.
فالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصهم بكمال العقول وصحة الفطرة ونور البرهان. وجعلهم هداة مهتدين مستبصرين مبصرين أئمة للمتقين يهدون بأمره ، ويبصرون بنوره ويدعون إلى داره ؛ ويجادلون كل مفتن فتان.