فحى على خير العمل بمتابعة المبعوث بالفرقان. وتحكيمه وتلقي حكمه بالتسليم والقبول والإذعان ، ومقابلة ما خالف حكمه بالإنكار والرد والهوان. ومطاعنة المعارضين له بقولهم بالسيف والسنان. وإلا بالعلم واللسان ، فالعقول السليمة والفطر المستقيمة لنصوص الوحي يسجدان. ويصدقان بما شهدت به ولا يكذبان ، ويقران أن لها عليهما أعظم سلطان. وأنهما إن خرجا عنها غلبا ولا ينتصران والله المتسعان وعليه التكلان.
السابع والعشرون : أن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين بالنبوة حقا. ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة ، ليست هذه المعارضة من الإيمان بالنبوة في شيء ، وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة ويجريها على أوضاعهم ، وأن الإيمان بالنبوة عندهم ، والاعتراف بموجود حليم له طالع مخصوص يقتضي طالعه أن يكون متبوعا ، فإذا أخبرهم بما لا تدركه (عقولهم) عارضوا خبره (بعقولهم وقدموها على خبره).
فهؤلاء الذين عارضوا بين العقل ونصوص الأنبياء ، فعارضوا نصوص الأنبياء في باب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر في هذه الأصول الخمسة بعقولهم ، فلم يصدقوا بشيء منها على طريقة الرسل. ثم سرت معارضتهم في المنتسبين إلى الرسل ، فتقاسموها تقاسم الوارث لتركه مورثهم ؛ فكل طائفة كانت نصوص الوحي على خلاف مذهبهم لجئوا إلى هذه المعارضة ومعلوم أن هذا يناقض الإيمان بالنبوة ، وإن تناقض القائل به فغلبته أن يثبت كون النبي رسولا في العمليات ولا في العلميات ، أو في بعض العلميات التي أخبر بها دون البعض. وهذا أسوأ حالا ممن جعله رسولا إلى بعض الناس دون بعض. فإن القائل بهذا يجعله رسولا في العمليات والعلميات ، ولا يعارض بين خبره وبين العقل ، وإن تناقض جحده عموم رسالته بالنسبة إلى كل مكلف فهذا أحد عموم رسالته إلى المدعوين وذاك جحد عموم رسالته في المدعو إليه المخبر به ، ولم يؤمن في الحقيقة برسالته لا هذا ولا هذا. فإنه يقال لهذا : إن كان رسول صلىاللهعليهوسلم إلى هؤلاء حقا فهو رسوله إلى آخرين قطعا ؛ لأنه أخبر بذلك ومن