يسمع ، ولا يبصر ، ولا يعلم ، ولا يقدر ، تحقيقا لمعنى (ليس كمثله شيء) وقال إخوانكم من الملاحدة : ليس له ذات أصلا ، تحقيقا لهذا النفي. وقال غلاتهم : لا وجود له. تحقيقا لهذا النفي. وأما الرسل وأتباعهم فإنهم قالوا : إن الله حي وله حياة ، وليس كمثله شيء في حياته وهو قوي ، وله القوة وليس كمثله شيء في قوته (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يسمع ويبصر. وليس كمثله شيء في سمعه وبصره. ومتكلم. وله يدان. ومستو على عرشه. وليس له في هذه الصفات مثل. فهذا النفي لا يتحقق إلا بإثبات صفات الكمال فإنه مدح له وثناء أثنى به على نفسه. والعدم المحض لا يمدح به أحد ولا يكون كمالا له ، بل هو أنقص النقص. وإنما يكون كمالا إذا تضمن الإثبات كقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (جزء من آية الكرسي / سورة البقرة : ٢٢٥) لكمال حياته وقيوميه ، وقوله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) لكمال غناه وملكه وربوبيته. وقوله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لكمال غناه وعدله ورحمته ، وقوله (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) لكمال قدرته ، وقوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) لكمال علمه وقوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) لعظمته وإحاطته بما سواه ، وأنه أكبر من كل شيء ، وأنه واسع ؛ وفيرى ولكن لا يحاط به إدراكا ؛ كما يعلم ولا يحاط به علما فيرى ولا يحاط به رؤية ، وهكذا ليس كمثله شيء هو متضمن لإثبات جميع صفات الكمال على وجه الإجماع.
وهذا القول هو المعقول في فطر الناس. فإذا قالوا فلان عديم المثل أو قد أصبح ولا مثل له في الناس. أو ماله شبيه ولا من يكافيه ، فإنما يريدون بذلك أنه تفرد من الصفات والأفعال والمجد بما لا يلحقه فيه غيره. فصار واحدا في الجنس لا مثيل له. ولو أطلقوا ذلك عليه باعتبار نفي صفاته وأفعاله ومجده لكان ذلك عندهم غاية الذم والنقص له. فإذا أطلقوا ذلك في سياق المدح والثناء لم يشك عاقل في أنه إنما أراد كثرة أوصافه وأفعاله وأسمائه التي لها حقائق تحمل عليها. فهل يقول عاقل لمن لا قدرة له ولا علم ولا بصر ولا