لدينا. وإنه محض منته وجوده وفضله. فهو المحمود أولا وآخرا على توفيقنا له وتعليمنا إياه :
إن كل شبهة من شبه أرباب المعقولات عارضوا به الوحي فعندنا ما يبطلها بأكثر من الوجوه التي أبطلنا بها معارضة شيخ القوم. وإن مد الله في الأجل أفردنا في ذلك كتابا كبيرا ؛ ولو نعلم أن في الأرض من يقول ذلك ويقوم به تبلغ إليه أكباد الإبل اقتدينا في السير إليه بموسى عليهالسلام في سفره إلى الخضر ، وبجابر بن عبد الله في سفره إلى عبد الله بن أنيس لسماع حديث واحد ، ولكن زهد الناس في عالم قومه ؛ وقد قام قبلنا بهذا الأمر من برز على أهل الأرض في عصره وفي أعصار قبله فأدرك من قبله وحيدا ؛ وسبق من بعده سبقا بعيدا.
الوجه الثالث والثلاثون : أنه سبحانه وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء وأنه لا سمي له ولا كفء له. وهذا يستلزم وصفه بصفات الكمال التي فات بها شبه المخلوقين ، واستحق بقيامها أن يكون (ليس كمثله شيء) وهكذا كونه ليس له سمي أي مثيل يساميه في صفاته وأفعاله ، ولا من يكافيه فيها. ولو كان مسلوب الصفات والأفعال والكلام والاستواء والوجه واليدين ، ومنفيا عنه مباينة العالم ومحايثته واتصاله به وانفصاله عنه وعلوه عليه ، وكونه يمنته أو يسرته أو أمامه أو وراءه ، لكان كل عدم مثلا له في ذلك ، فيكون قد نفى عن نفسه مماثلة الموجودات ، وأثبت لها مماثلة المعدومات ، فهذا النفي واقع على أكمل الموجودات وعلى العدم المحض ، فإن المحض لا مثل له ولا كفؤ ولا سمي ، فلو كان المراد نفي صفاته وأفعاله واستوائه على عرشه وتكلمه بالوحي وتكليمه لمن يشاء من خلقه ، لكان ذلك وصفا له بغاية العدم. فهذا النفي واقع على العدم المحض وعلى من كثرت أوصاف كماله حتى تفرد بذلك الكمال فلم يكن له شبيه في كماله ولا سمي ولا كفء.
فإذا أبطلتم هذا لمعنى الصحيح تعين ذلك المعنى الباطل قطعا ، وصار المعنى أنه لا يوصف بصفة أصلا ، فلا يفعل فعلا ، ولا وجه له ، ولا يد ، ولا