فيكون ذلك كفارة لسيئاتهم فلا يعاقبون عليها في الآخرة هذا مثل قوله (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى : ٣٠).
ولما نزل قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) قال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله ، وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال «ذاك الشرك ، ألم تسمعوا قول العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟) (١) فلما أشكل عليهم المراد بالظلم وظنوا أن ظلم النفس داخل فيه ، وأن من ظلم نفسه أي ظلم كان ، لم يكن أمنا ولا مهتديا ، أجابهم صلىاللهعليهوسلم : إن الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك.
وهذا والله هو الجواب الذي يشفي العليل ويروي الغليل ، فإن الظلم المطلق التام هو الشرك الذي هو وضع العبادة في غير موضعها ، والأمن والهدى المطلق هو الأمن في الدنيا والآخرة ، والهدى إلى الصراط المستقيم.
ولما نزل قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (البقرة : ٢٨٤) أشكل ذلك على بعض الصحابة وظنوا أن ذلك من تكليفهم بما لا يطيقونه ، فأمرهم صلىاللهعليهوسلم أن يقابلوا النص بالقبول. فبين الله سبحانه بعد ذلك أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وأنه لا يؤاخذهم بما نسوا أو أخطئوا فيه ، وأنه لا يحمل عليهم إصرا كما حمله على الذين من قبلهم ؛ وأنه لا يحملهم ما لا طاقة لهم به ، وأنهم إن قصروا في بعض ما أمروا به أو نهوا عنه ثم استغفروا عفا الله عنهم وغفر لهم ورحمهم. فانظر ما ذا أعطاهم الله تعالى لما قابلوا خبره بالرضى والتسليم والقبول ، والانقياد دون المعارضة والرد.
ومن ذلك أن عائشة لما سمعت قوله صلىاللهعليهوسلم «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» (٢) عارضته بقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (الإسراء : ١٥) ولم تعارضه بالعقل ؛ بل غلّطت الرواة. والصواب عدم المعارضة وتصويب الرواة ،
__________________
(١) رواه البخاري (٣٤٢٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٨٦) ، ومسلم (٩٢٧) ، وغيرهما.