فرحم الله ابن عباس ، كيف لو رأى قوما يعارضون قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقول أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي وجهم بن صفوان وبشر المريسي وأبي الهذيل العلاف وأضرابهم؟.
ولقد سئل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل له : إن أباك نهي عنها ، فقال : إن أبي لم يرد ما تقولون ، فلما أكثروا عليه قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحق أن تتبعوا أم أمر عمر.
ولما حدّث حميد بن ثابت عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تفسير قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) قال : «وضع إصبعه على طرف خنصره فساخ الجبل» (١) أنكر عليه بعض الحاضرين وقال : أتحدّث بهذا؟ فضرب حميد في صدره وقال : أحدثك عن ثابت عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم وتقول : أتحدث بهذا؟ فكانت نصوص رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجلّ في صدورهم وأعظم في قلوبهم من أن يعارضوها بقول أحد من الناس ، ولا تثبت قدم أحد على الإيمان إلا على ذلك.
الثامن والثلاثون : إن المعقولات ليس لها ضابط ولا هي محصورة في نوع معين ؛ فإنه ما من أمة من الأمم إلا ولها عقليات يختصمون إليها ويختصمون بها. فللفرس عقليات ، وللهند عقليات وللمجوس عقليات ، وللصابئة عقليات. وكل طائفة من هذه الطوائف ليسوا متفقين على العقليات ، بل فيها من الاختلاف ما هو معروف عند المعتنين به ونحن نعفيكم من هذه المعقولات واضطرابها ونحاكمكم إلى المعقولات التي في هذه الأمة فإنه ما من مدة من المدد إلا وقد ابتدعت فيها بدع يزعم أربابها أن العقل دل عليها. ونحن نسوق إليكم الأمر من أوله إلى أن يصل إليك بعون الله فنقول :
__________________
(١) (صحيح) أخرجه الإمام أحمد (٣ / ٢٠٩) ، والترمذي (٣٠٧٤) ، والحاكم (٢ / ٣٢٠ ، ٣٢١) وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي أه وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ، ثم ساق بإسناده عن أنس يرفعه نحوه وقال : هذا حديث حسن أه وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» و «ظلال الجنة» (٤٨٠).