وذكرها صاحب «الفتوحات» في فصوصه وغيرها ، وهذه الشبه كلها من واد واحد ، وهي خزنة الوساوس ولو لم نجزم بما علمناه إلا بعد العلم برد تلك الشبهات لم يثبت لنا علم أبدا ، فالعاقل إذا علم أن هذا الخبر صادق علم أن كل ما عارضه فهو كذب ، ولم يحتج لأن يعرف أعيان الأخبار المعارضة له ولا وجوها ، والله المستعان.
الوجه الأربعون : إن الطريق التي سلكها نفاة الصفات والعلو والتكلم من معارضة النصوص الإلهية بآرائهم هي بعينها الطريق التي سلكها إخوانهم من الملاحدة في معارضة نصوص المعاد بآرائهم وعقولهم ومقدماتهم ؛ ثم نقلوها بعينها إلى ما أمروا به من الأعمال كالصلوات الخمس والزكاة والحج والصيام ، فجعلوها للعامة دون الخاصة ، فآل الأمر بهم إلى أن ألحدوا في الأصول الثلاثة التي اتفق عليها جميع الملل وجاءت بها جميع الرسل ؛ وهي الإيمان بالله واليوم الآخر ، والأعمال الصالحة قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة : ٦٢) الآية.
فهؤلاء الملاحدة يحتجون على نفاة الصفات بما وافقهم عليه من الإعراض عن نصوص الوحي ونفي الصفات ؛ كما ذكر ابن سينا في رسالته الأضحوية ، فإنه قال فيها ، لما ذكر حجة من أثبت معاد البدن ؛ وأن الداعي لهم إلى ذلك ما ورد به الشرع من بعث الأموات. فقال : وأما أمر الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد ، وهو أن الملة الآتية على لسان نبي من الأنبياء يرام بها خطاب الجمهور كافة. ثم من المعلوم الواضح أن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد من الإقرار بالصانع موحدا مقدس عن الكم والكيف والأين ومتى والوضع والتغيير ؛ حتى يصير الاعتقاد به أنه ذات واحدة لا يمكن أن يكون لها شريك في النوع ، أو يكون جزء وجودي كمي أو معنوي ، ولا يمكن أن تكون خارجة عن العالم ولا داخلة فيه ، ولا حيث تصح الإشارة إليها بأنها هنا أو هناك ، وهذا ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور. ولو ألقى هذا على هذه الصورة إلى