وليس في الأدلة أقوى ولا أظهر ولا أصح دلالة منه من وجوه متعددة. فأدلته مثل ضوء الشمس للبصر ، لا يلحقها إشكال ، ولا يغير في وجه دلالتها إجمال ، ولا يعارضها تجويز واحتمال ، تلج الأسماع بلا استئذان ، وتحل من المعقول محل الماء الزلال من الصادي الظمآن ، لا يمكن أحد أن يقدح فيها قدحا يوقع في اللبس ، إلا إن أمكنه أن يقدح بالظهيرة صحوا في طلوع الشمس. ومن عجيب شأنها أنها تستلزم المدلول استلزاما بينا وتنبه على جواب المعترض تنبيها لطيفا. وهذا الأمر إنما هو لمن نور الله بصيرته وفتح عين قلبه لأدلة القرآن فلا تعجب من منكر أو معترض أو معارض.
وقل للعيون العمى للشمس أعين |
|
سواك تراها في مغيب ومطلع |
وسامح نفوسا أطفأ الله نورها |
|
بأهوائها لا تستفيق ولا تعي |
فأي دليل على الله أصح من الأدلة التي تضمنها كتابه؟ كقوله تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (إبراهيم : ١٠) وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة : ٢٨) وقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة : ١٦٤) وما لا يحصى من الآيات الكريمات.
الوجه الرابع والأربعون : أنك إذا أخذت لوازم المشترك المطلق والمقيد والمميز ، وميزت هذا من هذا صح نظرك ومناظرتك. ذلك أن الصفة تلزمها لوازم من حيث هي ، فهذه اللوازم يجب إثباتها ولا يصح نفيها ، إذ نفيها ملزوم لنفي الصفة. مثاله : الفعل والإدراك للحياة ، فإن كل حي فاعل مدرك ، وإدراك المسموعات بصفة السمع ، وإدراك المبصرات بصفة البصر وكشف المعلومات بصفة العلم والتمييز لهذه الصفات. فهذه اللوازم يمتنع رفعها عن الصفة ، فإنها ذاتية لها ، ولا ترتفع إلا برفع الصفة ، ويلزمها لوازم من حيث كونها صفة القديم ،