فتأمل أدلة الكتاب العزيز على هذا الأصل تجدها فوق عد العادين ، حتى إنك تجد في الآية الواحدة على اختصار لفظها عدة أدلة كقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ففي هذه الآية عدة أدلة :
(أحدهما) قوله : «إنما أمره» ؛ وهذا أمر التكوين الذي لا يتأخر عنه أمر المكون بل يعقبه (الثاني) «إذا أراد شيئا». (وإذا) تخلص الفعل للاستقبال (الثالث) «أن يقول له كن فيكون» (وإن) تخلص المضارع للاستقبال (الربع) «أن يقول» فعل مضارع إما للحال وإما للاستقبال (الخامس) قوله : «كن» وهما حرفان يسبق أحدهما الآخر يعقبه الثاني (السادس) قوله : «فيكون». والفاء للتعقيب يدل على أنه يكون عقب قوله : «كن» سواء لا يتأخر عنه.
وقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف : ١٤٣) فهو سبحانه إنما كلمه ذلك الوقت. وقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ) (الصافات : ١٠٤) (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ) (القصص : ٦٢) ، وقوله : (وَناداهُما رَبُّهُما : أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ؟) (الأعراف : ٢٢) فالنداء إنما حصل ذلك الوقت.
وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (البقرة : ٢١٠) (وَجاءَ رَبُّكَ) ، (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) (الإسراء : ١٦) (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (البروج : ١٦) (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (النساء : ٢٧) (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (النساء : ٢٨) (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص : ٥ ، ٦) (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب : ٤) (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي