عليها رسله وملائكته والمؤمنون من عباده ، فمن لا فعل له البتة كيف يحمد على ذلك؟ فالأفعال هي المقتضية للحمد ، ولهذا تجده مقرونا بها كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (الإنعام : ١) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (الأعراف : ٤٣) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) (الكهف : ١).
الثاني قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) وربوبيته للعالم تتضمن تصرفه فيه وتدبيره له وإنفاذ أمر كل وقت فيه ، وكونه معه كل ساعة في شأن : يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويعطي ويمنع ويعز ويذل ، ويصرف الأمور بمشيئته وإرادته ، وإنكار ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه.
الثالث (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو الذي يرحم بقدرته ومشيئته من لم يكن له راحما قبل ذلك.
الرابع ، قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) والملك هو المتصرف فيما هو ملك عليه ومالك له. ومن لا تصرف له ولا يقوم به فعل البتة لا يعقل له ثبوت ملك.
الخامس قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فهذا سؤال الفعل يفعله لهم لم يكن موجودا قبل ذلك ، وهي الهداية التي هي فعله.
السادس قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وفعله القائم به وهو الإنعام فلو لم يقم به فعل الأنعام لم يكن للنعمة وجود البتة.
السابع قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وهم الذين غضب الله عليهم بعد ما أوجدهم وقام بهم سبب الغضب. إذ الغضب على المعدوم محال. وقد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم «أن العبد إذا قال : الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال الرحمن الرحيم. قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل» (١) فهذه أدلة من الفاتحة وحدها.
__________________
(١) الحديث في «صحيح» مسلم وقد تقدم تخريجه.