قال : والجواب عن هذه الشبهة أن المختار من أقسامها إنما هو القسم الثالث ، ولا يلزم من كون القديم مماثلا للحادث من وجه أن يكون مماثلا للحادث من جهة كونه حادثا بل لا مانع من الاختلاف بينهما صفة القدم والحدوث. وإنما تماثلا بأمر آخر وهذا كالسواد والبياض يختلفان من وجه دون وجه لاستحالة اختلافهما من كل وجه ، وإلا لما اشتركا في العرضية والكونية والحدوث ، ولاستحالة تماثلهما من كل وجه ؛ وإلا كان السواد بياضا ؛ ومع ذلك فما لزم من مماثلة السواد للبياض من وجه أن يكون مماثلا له في صفة البياضية.
فيقال : يا لله العجب : هلا قبلتم هذا الجواب في إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وإثبات صفات كماله كلها ، وأجبتم بهذا الجواب من قال لكم من المعطلة والنفاة : لو كان له صفات لزم مماثلته للمخلوقات؟ ولم لا تقنعون من أهل السنة المثبتين لصفات كماله بمثل هذا الجواب الذي أجبتم به من أنكر حدوث العالم؟ بل إذا أجابوكم به قلبتم لهم ظهر المجن وصرحتم بتكفيرهم وتبديعهم ، وإذا أجبتم أنتم به بعينه كنتم موحدين.
يقال : هل للرب ماهية متميزة عن سائر الماهيات يختص بها لذاته ، أم تقولون لا ماهية له؟ فإن قلتم بالثاني كان هذا إنكارا له وجحودا ؛ أو جعله وجودا مطلقا لا ماهية له. وإن قلت : بل له ذات مخصوصة وماهية متميزة عن سائر الذوات والماهيات. قيل لكم : فماهيته وذاته غير متناهية بل ذاهبة في الإبعاد إلى غير نهاية ، أم متناهية؟ فإن قلتم بالأول ؛ لزم منه محالات غير واحدة. وإن قلتم بالثاني ، بطل قولكم ، ولزم إثبات المباينة والجهة ، وهذا لا محيد عنه. وإن قلتم : لا نقول له ماهية ولا ليست له ماهية ، قيل : لا يليق بالعقول المخالفة لما جاءت به الرسل إلا هذا المحال والباطل ، وإن قلتم بل له ذات مخصوصة وماهية متميزة عن سائرت الماهيات ، ولا نقول : إنها متناهية ولا غير متناهية ، لأنها لا تقبل واحدا من الأمرين. قيل : التناهي وعدم التناهي يتقابلان تقابل السلب والإيجاب ، فلا واسطة بينهما ، كما لا واسطة بين الوجود والعدم ، والقدم والحدوث ، والسبق والمقارنة ، والقيام بالنفس والقيام بالغير ، وتقدير قسم آخر لا يقبل واحدا من الأمرين تقدير ذهني يفرضه الذهن كما يفرض