ثم سلطنى على بنى آدم ، فلما استمهلته امهلنى فقلت «أنظرنى إلي يوم يبعثون» فقال «إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم» (ص : ٧٩ ـ ٨١) وما الحكمة فى ذلك؟ بعد أن لو أهلكني فى الحال استراح الخلق مني ، وما بقي شر في العالم ، أليس بقاء العالم على نظام الخير خير من امتزاجه بالشر؟ قال فهذه حجتى على ما ادعيته فى كل مسأله.
قال قال شارح الإنجيل : فأوحى الله تعالى إلى الملائكة ، قالوا له : إنك فى مسألتك الأولى : إني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص ؛ إذ لو صدقت إني رب العالمين ما احتكمت عليّ بلم ، فأنا الله الّذي لا إله إلا أنا لا أسأل عما أفعل ، والخلق مسئولون قال : هذا مذكور فى التوراة والزبور مسطور في الإنجيل على الوجه الّذي ذكرته. وكنت برهة من الزمان أتفكر وأقول : من المعلوم الذي لا مرية فيه أن كل شبهة وقعت لبني آدم فإنما وقعت من إضلال الشيطان ووساوسه ، ونشأت من شبهاته. وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع عادت كبار البدع والضلال إلى سبع ، ولا يجوز أن تعدوها شبهة أهل الزيغ والكفر ، وان اختلفت العبارات وتباينت الطرق فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذر ترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالخلق ، وإلى الجنوح إلى الهوي والرأي فى مقابلة النص. والذين جادلوا هودا ؛ ونوحا ، وصالحا ، وابراهيم ، ولوطا. وشعيبا ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم. كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاتهم. وحاصلها يرجع إلى رفع التكليف عن أنفسهم وجحد أصحاب التكاليف والشرائع عن هذه الشبهة نشأ ، فأنه لا فرق بين قولهم (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (التغابن : ٦) ، وبين قوله (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء : ٦١) ، ومن هذا قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (الإسراء : ٩٤).