فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى كما قال المتقدم (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (الزخرف : ٥٢) وكذلك لو تعقبنا أقوال المتأخرين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتقدمين (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (البقرة : ١١٨). (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) (الأعراف : ١٠١) فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحتكم عليه العقل أجرى حكم الخالق فى خلق وحكم الخلق ، والأول غلو ، والثانى تقصير ، فثار من الشبهة الأولى مذهب الحلولية والتناسخية والمشبهة والغلاة من الرافضة من حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الجلال. وثار من الشبه الثانية مذاهب القدرية والجبرية والمجسمة حيث قصروا فى وصفه تعالى بصفات المخلوقين والمعتزلة مشبهة الأفعال ومشبهة الصفات وكل منها أعور ، فأن من قال : يحسن منه ما يحسن منا ويقبح منه ما يقبح منا ، فقد شبه الخالق بالخلق ، ومن قال : يوصف الباري بما يوصف به الخلق أو يوصف الخلق بما يوصف به البارى ، فقد اعتزل عن الحق : وشيخ القدرية طلب العلة فى كل شيء وذلك الشيخ اللعين الأول ، إذ طلب العلة فى الخلق أولا. والحكمة في التكليف ثانيا ، والمعاندة فى تكليف السجود لآدم ثالثا.
ثم ذكر الخوارج والمعتزلة والروافض وقال رأيت شبهاتهم كلها نشأت من شبهات اللعين الأول. وإليه أشار التنزيل بقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة : ١٦٨) وقال صلىاللهعليهوسلم «لتسلكن سبل الأمم قبلكم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» (١).
__________________
(١) رواه البخارى (٣٤٥٦) ، ومسلم (٢٦٦٩) من حديث أبي سعيد الخدرى ، ورواه أحمد (٤ / ١٢٥) ، والترمذي (٢٦٤١) مع اختلاف فى الألفاظ.
والقذّة : ريشة طائر كالنسر والصقر بعد تسويتها وإعدادها لتركب فى السهم ، يقال : هو مثله حذو القذة القذة (الوجيز).