وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء : ١٢).
واقتضت حكمته سبحانه في تدبيره أن فاوت بين مقادير الليل والنهار ولم يجعلهما دائما على حد سواء ولا أطول مما هما عليه وأقصر ، بل جاء استواؤهما وأخذ أحدهما من الآخر على وفق الحكمة ، حتى أن المكان الّذي يقصر أحدهما فيه جدا لا يتكون فيه حيوان ونبات ، كالمكان الذي لا تطلع عليه الشمس أو لا تغرب عنه ، فلو كان النهار مقدار مائة ساعة أو أكثر أو كان الليل كذلك لتعطلت المصالح التي نظمها الله بهذا المقدار في الليل. ثم تأمل الحكمة في إنارة القمر والكواكب في ظلمة الليل ، فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان وبرد الهواء لم تقتض المصلحة أن يكون الليل ظلمة داجية ولا ضياء فيها ، فلا يمكن فيها شيء من العمل ، وربما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في النهار ولإفراط الحر فيه ، فاحتاجوا إلى العمل في الليل في نور القمر من حرث الأرض وقطع الزرع وغير ذلك ، فجعل ضوء القمر في الليل معونة للناس على هذه الأعمال وجعل في الكواكب جزءا يسيرا من النور ليسد مسد القمر إذا لم يكن ، وجعلت زينة السماء ومعالم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ودلالات واضحات على الخلاق العليم ، وغير ذلك من الحكم التي بها انتظام هذا العالم ، وجعلت الشمس على حالة واحدة لا تقبل الزيادة والنقصان لئلا تتعطل الحكم المقصودة منها ، وجعل القمر يقبل الزيادة والنقصان لئلا تتعطل الحكم المقصودة من جعله كذلك ، وإن كان نوره من التبريد والتصلب ما يقابل ما في ضوء الشمس من التسخين والتحليل ، فتنضم المصلحة وتتم الحكمة من هذا في هذا التسخين والتبريد.
ثم تأمل اللطف والحكمة الإلهية في جعل الكواكب السيارات ومنازلها تظهر في بعض السنة وتحتجب في بعضها ، لأنها لو ظهرت دائما أو اختفت دائما