الحرارة في الشجر والنبات. فيتولد فيها مواد النار ويغلظ الهواء بسبب الرد فيصير مادة للسحاب ، فيرسل العزيز الحكيم الريح المثيرة فتنشره قزعا (١) ثم يرسل عليه المؤلفة فتؤلف بينه حتّى يصير طبقا واحدا ، ثم يرسل عليه الريح اللاحقة التي فيها مادة الماء فتلقحه كما يلقح الذكر الأنثى فيحمل الماء من وقته ، فإذا كان بروز الحمل وانفصاله أرسل عليه الريح الذارئة فتذروه وتفرقه في الهواء لئلا يقع صبة واحدة فيهلك ما على الأرض وما أصابه ويقل الانتفاع به ، فإذا أسقى ما أمر بسقيه وفرغت حاجتهم منه أرسل عليه الرياح السائقة فتسوقه وتزجيه إلى قوم آخرين ، وأرض أخرى محتاجة إليه ، فإذا جاء الربيع تحركت الطبائع وظهرت المواد الكامنة في الشتاء فخرج النبات ، وأخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج كريم ، فإذا جاء الصيف سخن الهواء وتحللت فضلات الأبدان ، فإذا جاء الخريف كسر ذلك السموم والحرور ، وبرد الهواء واعتدل وأخذت الأرض والشجر في الراحة والجموم والاستعداد للحمل الآخر.
واقتضت حكمته سبحانه أن أنزل الشمس والقمر في البروج وقدر لهما المنازل ليعلم العباد عدد السنين والحساب من الشهور والأعوام ؛ فتتم بذلك مصالحهم ، وتعلم بذلك آجال معاملاتهم ومواقيت حجهم وعباداتهم ومدد أعمارهم ، وغير ذلك من مصالح حسابهم ، فالزم مقدار الحركة ألا ترى أن السنة الشمسية مسير الشمس من الحمل إلي الحمل واليوم مقدار مسيرها من المشرق إلى المغرب ؛ وتحركه الشمس والقمر لكمال الزمان من يوم خلقها إلى أن يجمع الله بينها ويعزلهما عن سلطانهما ، ويرى عابديهما أنهم عبدوا الباطل من دونه ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ، ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس : ٥) ، وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ
__________________
(١) القزع : بفتحتين : قطع من السحاب رقيقة ، وفي الحديث : «كأنهم قزع الخريف» (مختار الصحيح).