حديدته فى مقابلة طول العنق ، ورمان القبان فى مقابلة رأس البعير فتم لهم ما استنبطوه كذلك استنبطوا بناء الأقبية من ظهره فإنهم وجدوه يحمل ما لا يحمل غيره فتأملوا ظهره فإذا هو كالقبو (١) ، فعلموا أن القبو يحمل ما لا يحمل السطح.
وكذلك ما استنبطه الحداق لكل من كل بصره أن يديم النظر إلى إجانة (٢) خضراء مملوءة ماء استنباطا من حكمة الخلاف العليم في لون السماء ؛ فإن لونها أشد الألوان موافقة للبصر ، فجعل أديمها بهذا اللون ليمسك الأبصار ولا ينكأ (٣) فيها بطول مباشرته لها ؛
وإذا فكرت في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتى الليل والنهار ، ولو لا طلوعها لبطل أمر هذا العالم ، فكم في طلوعها من الحكم والمصالح. وكيف يكون حال الحيوان لو أمسكت عنه جعل الليل عليه سرمدا والدنيا مظلمة عليه؟ فبأى نور كانوا يتصرفون؟ وكيف كانت تنضج ثمارهم. وتكمل أقواتهم وتعتدل صورهم فالحكم في طلوعها أعظم من أن تختفى أو تحصى. ولكن تأمل الحكمة في غروبها فلو لا غروبها لم يكن للحيوان هدوء ولا قرار مع شدة حاجتهم إلى الهدوء والراحة. وأيضا لو دامت الأرض لاشتد حرها بدوام طلوعها عليها. فاحترق كل ما عليها من حيوان ونبات. فاقتضت حكمة الخلاق العليم والعزيز الحكيم ان جعلها تطلع عليهم في وقت دون وقت بمنزلة سراج يرفع لأهل الدار مليا ليقضوا مآربهم ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويهدءوا. وصار ضياء النهار وحرارته ، وظلام الليل وبرده على تضادهما وما فيهما متظاهرين متعاونين على ما فيه صلاح العالم وقوامه.
ثم اقتضت حكمته أن جعل للشمس ارتفاعا وانحطاطا لإقامة هذه الفصول الأربعة من السنة وما فيها من قيام الحيوان والنبات. ففي زمن الشتاء تفور
__________________
(١) القبو : الطاق المعقود بعضه إلى بعض في شكل قوس ، وبناء تحت الأرض تنخفض حرارته في الصيف فيحفظ فيه الجبن والزبد والفواكه وغيره. (وجيز).
(٢) الإجانة : إناء تغسل فيه الثياب (الوجيز).
(٣) نكأ القرحة نكئا : قشرها قبل أن تبرأ فندبت (الوجيز).