القبيحة؟ وكيف يمدح الزمن (١) بترك طيرانه إلى السماء؟ وأيضا فإنه سبحانه يمدح نفسه بتحريمه الظلم على نفسه كما في الحديث الإلهي «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى» (٢) أن أخلق مثلي ، أو أجمع بين النقيضين ، أو أقلب القديم حادثا الحادث قديما ونحو ذلك من الممتنع لذاته. وهذا لا يجوز أن ينسب التكلم به إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب العالمين.
وغاية ما يقال في تأويل ذلك على هذا القول بعد تحسين العبارة وزخرفتها إني أخبرت عن نفسي أن ما لا يكون مقدورا أو يكون مستحيلا لا يقع منى. وهذا مما يقطع من له فهم عن الله ورسوله أنه غير مراد وأنه يجب تنزيه الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم عن إرادة هذا المعنى الّذي لا يليق التمدح والتعرف إلى عباده بمثله.
فإن قيل : حاصل هذا أنه لا يعقل التمدح بترك ما يستحيل وقوعه ، وهذا فاسد ، فقد حمد سبحانه نفسه وتمدح بعدم اتخاذ الولد وعدم الشريك والولي من الذل ، وهذه الأشياء مستحيلة في حقه ، فهكذا حمد نفسه على تنزهه من الظلم وإن كان مستحيلا غير مقدور.
قيل : الفرق بين ما هو محال لذاته في نفس الأمر وبين ما هو ممكن أو واقع لكن يستحيل وصف الرب به ونسبته إليه. فالأول لا يتمدح به ، بل العبد لا يرضى أن يمدح به نفسه ، فلا يتمدح عاقل بأنه لا يجمع بين النقيضين ولا يجعل الشيء متحركا ساكنا. وأما الثاني فإنه ممكن واقع لكن يستحيل اتصاف من له الكمال المطلق به كالولد والصاحبة والشريك. فإن نفى هذا من خصائص الربوبية ؛ فنفى سبحانه عن نفسه ما هو ثابت لخلقه ، وهم متصفون به لمنافاته لكماله ، كما نزه نفسه عن السنة والنوم واللغوب والنسيان والعجز والأكل والموت ، وغير ذلك مما هو مستحيل عليه ممتنع في حقه. ولكنه واقع من العباد فكان في تنزيهه عنه ما يبين انفراده بالكمال وعدم مشابهته لخلقه ، بخلاف ما لا يتصور وقوعه في نفس الأمر وهو مستحيل في نفسه ، كجعل المخلوق خالقا ؛
__________________
(١) الزمانة : آفة في الحيوانات ، ورجل زمن : أى مبتلى بين الزمانة. (مختار الصحاح).
(٢) رواه مسلم (٢٥٧٧).