أسبابا للهلاك ولا مقتضية له ، وإنما هو محض المشيئة ، والقرآن يكذب هذا القول ويرده كقوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (النساء : ١٦٠) ، وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء : ١٥٥) ، وقوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) (آل عمران : ١١) (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (الأنعام : ٦) ، (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (نوح : ٢٥) (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) (النمل : ٨٥) ، (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى : ٣٠) ، والقرآن مملوء من هذا.
فالظلم الذي أثبت الله لهم وجعله نفس فعلهم وسبب هلاكهم نفوه ، وقالوا ليس من فعلهم ولا سبب إهلاكهم. والظلم الذي نفاه عن نفسه وهو عقوبتهم بلا سبب أثبتوه له وقالوا ليس بظلم ، فإنه مقدور ممكن ، فنزهوه عما عابهم به ووصفوه بما نزه نفسه عنه ، واعتقدوا بذلك أنهم به عارفون ولأهل السنة ناصرون ، ولا يليق به سبحانه أن ينفى عنه الجمع بين النقيضين ، فإن ما لا يمكن تعلق القدرة به لا يمدح الممدوح بعدم إرادته ، وإنما يكون المدح بترك ما يقدر الممدوح على فعله وتركه تنزيها عما فعله ، وإلا فكيف يمدح الموتى بترك الأفعال
__________________
ـ يخالج فيه الشك أن بين الصحيح الجوارح وبين من لا صحة بجوارحه فرقا لائحا لجوارحه ، لأن الصحيح الجوارح يفعل القيام والقعود وسائر الحركات مختارا لهان دون مانع ، والذي لا صحة لجوارحه لو رام ذلك جهده لم يفعله أصلا ولا بيان أبين من هذا الفرق. والمجبر في اللغة هو الذي يقع الفعل منه بخلاف اختياره وقصده ، فأما من وقع فعله باختياره وقصده فلا يسمى في اللغة مجبرا ، وإجماع الأمة كلها على لا حول ولا قوة إلا بالله مبطل قول المجبرة ووجب أن لنا حولا وقوة ، ولكن لم يكن لنا ذلك إلا بالله تعالى ، ولو كان ما ذهب إليه الجهمية لكان القول : لا حول ولا قوة إلا بالله لا معنى له ، وكذلك قوله تعالى (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) فنص تعالى على أن لنا مشيئة إلا أنها لا تكون منا ، إلا أن يشاء الله كونها ، وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين ا ه.