وأسكنه جنته وعلمه أسماء كل شيء ، وإنما انتفع في المحنة باعترافه وإقراره على نفسه بالظلم وسؤاله المغفرة والرحمة.
وهذا نوح أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض يسأله المغفرة ويقول (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (هود : ٤٧) ، وهذا يونس يقول (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء : ٨٧) ، وإبراهيم الخليل يقول (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء : ٨٢) ، ويقول (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) (البقرة : ١٢٨) الآية. وكليم الرحمن موسى يقول (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (القصص : ١٦) ، ويقول (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (الأعراف : ١٥٥) ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم أفضلهم وأكملهم وقد تقدم بعض ما كان يستغفر به ربه. وسأله الصديق أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال : «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم» (١) وإذا كان هذا حال الصديق الّذي هو أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ، وأفضل من الملائكة عند أهل السنة وهو يخبر بما هو صادق فيه من ظلم نفسه ظلما كثيرا ؛ فما الظن بسواه؟ بل إنما صار صديقا بتوفيته هذا المقام حقه الذي يتضمن معرفة ربه وحقه وعظمته وجلاله ؛ وما ينبغى له وما يستحقه على عبده ، ومعرفة تقصيره في ذلك ، وأنه لم يقم به كما ينبغى ، فأقر على نفسه إقرارا هو صادق فيه أنه ظلم نفسه ظلما وسأل ربه أن يغفر له ويرحمه.
سحقا وبعدا لمن زعم أن المخلوق يستغنى عن مغفرة ربه ولا يكون به حاجة إليها ؛ وليس وراء هذا الجهل بالله وعظمته وحقه غاية.
__________________
(١) أخرجه البخارى (٨٣٤) ، ومسلم (٢٠٧٥).