أنت» (١) وكان يستغفر في استفتاح الصلاة وفي خاتمة الصلاة. وعلم أفضل الأمة أن يستغفر في صلاته ويعترف على نفسه بظلم كثير.
وقد قال تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (محمد : ١٩) وقال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (الفتح : ٢) فأهل السموات والأرض محتاجون إلى مغفرته كما هم محتاجون إلى رحمته. ومن ظن أنه يستغنى عن مغفرة الله فهو كمن ظن أنه مستغنى عن رحمته فلا يستغنى أحد عن مغفرته ورحمته ، كما لا يستغنى عن نعمته ومنته. فلو أمسك عنهم فضله ومنته ورحمته لهلكوا وعذبوا ، ولم يكن ظالما ؛ وحينئذ فتصيبهم النقمات بإمساك فضله ، وكل نقمة منه عدل.
ومما يوضح هذا أن الظلم الذي يقدس عنه : أن يعاقبهم لما لم يعملوا ويمنعهم ثواب ما يستحقون ثوابه ، وهو سبحانه لا يعذب إلا بسبب كما إذا أراد تعذيب الأطفال والمجانين ومن لم تقم عليه حجته في الدنيا امتحنهم في الآخرة ؛ فعذب من عصاه منهم بأسباب أظهرها بالامتحان ، كما أظهر امتحان إبليس سبب عقوبته. فلو أراد تعذيب أهل سماواته وأرضه كلهم لامتحنهم امتحانا يظهر أسباب تعذيبهم فيكون عدلا منه ، فإنه يعلم من العبد ما لا يعلمه العبد من نفسه.
قال الحسن البصرى : «لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلا» ومما يوضح ذلك أن مذهب أهل السنة أن الأنبياء والمرسلين أفضل من الملائكة. وقد طلبوا كلهم من المغفرة والرحمة. فقال أول الأنبياء وأبو البشر (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (الأعراف : ٢٣) فهو صلىاللهعليهوسلم خلقه بيده ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦٣٩٨ ، ٦٣٩٩) ، ومسلم (٢٧١٩) وفيه : كان يقول في آخر الصلاة ... الحديث فذكره.