وكان يقول بين السجدتين «رب اغفر لي» (١) وكان يقول في سجوده «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدى ، وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا
__________________
ـ يستدعى وقوع معصية ، وأجيب بعدة أجوبة : منها ما تقدم في تفسير الغين (راجع الفتح ١١ / ١٠٤) ، ومنها قول ابن الجوزى : هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد ، والأنبياء وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر ، كذا قال ، وهو مفرع على خلاف المختار ، والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ، ومنها قول ابن بطال : الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة ، فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير ا ه ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الّذي يجب لله تعالى ، يحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ، ومحاربة عدوهم تارة ، ومداراته أخرى ، وتأليف المؤلفة ، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلى وهو الحضور في حظيرة القدس.
ومنها أن استغفاره تشريع لأمته ، أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم ، وقال الغزالي في «الإحياء» : كان صلىاللهعليهوسلم دائم الترقى ، فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة ، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال ، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك.
وقال السهروردي : لما كان روح النبي صلىاللهعليهوسلم لم يزل في الترقى إلى مقامات القرب يستتبع القلب ، والقلب يستتبع النفس ، ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج ، فاقتضت الحكمة حركة القلب لئلا تنقطع علامة النفس عنه فيبقى العباد محرومين ، فكان صلىاللهعليهوسلم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شأو ترقي القلب ، والله أعلم ا ه «الفتح» (١١ / ١٠٥).
(١) [صحيح] أخرجه الإمام أحمد (١ / ٣١٥ ـ ٣٧١ ، ٥ / ٣٩٨) ، وأبو داود (٨٧٤) ، والنسائي (٢ / ٢٣١) ، وابن ماجه (٨٩٧) ، والحاكم (١ / ٢٧١) ، والدارمى (١٣٢٤) ، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» ، وانظر «الإرواء» (٣٣٥).