__________________
ـ وهذا يبين أن نعمة الله تعالى على العبد في شربة ماء عند العطش أعظم من ملك الأرض كلها ، ثم تسهيل خروج الحدث من أعظم النعم ، وهذه إشارة وجيزة إلى النعم الخاصة.
اعلم : أن ما من عبد إلا إذا أمعن النظر رأى من نعم الله نعما كثيرة لا يشاركه فيها عموم الناس ، بل قد يشاركه في ذلك كثير منهم ، من ذلك العقل ، فما من عبد إلا وهو راض عن الله سبحانه في عقله ، يعتقد أنه أعقل الناس ، وقلما يسأل الله العقل ، وإذا كان ذلك اعتقاده ، فيجب عليه أن يشكر الله تعالى على ذلك.
ومن ذلك الخلق ، فإنه ما من عبد إلا يرى من غيره عيوبا يكرهها ، وأخلاقا يذمها ، ويرى نفسه بريئا منها ، فينبغي أن يشكر الله تعالى على ذلك ، حيث أحسن خلقه وابتلى غيره.
ومن ذلك أن ما من أحد إلا وهو يعرف من بواطن أمور نفسه وخفايا أركانها ما هو منفرد به ، ولو كشف الغطاء عنه حتى اطلع عليه أحد من الخلق لافتضح ، فكيف لو اطلع الناس كافة؟ فلم لا يشكر الله بستر الجميل علي مساويه ، حيث أظهر الجميل وستر القبيح ، ولننزل إلي طبقة أعم من هذا القبيل ، فنقول : ما من عبد إلا وقد رزقه الله تعالى في صورته ، أو أخلاقه أو صفاته ، أو أهله ، أو ولده ، أو مسكنه أو بلده ، أو رفيقه أو أقاربه ، أو جاهه ، أو سائر محابه ، أمورا ، لو سلب ذلك وأعطي ما خصص به من ذلك غيره ، لكان لا يرضى به ، وذلك مثل أن جعله مؤمنا لا كافرا ، وحيا لا جمادا ، وإنسانا لا بهيمة ، وذكرا لا أنثى ، وصحيحا لا مريضا ، وسليما لا معيبا ، فإن كل هذه خصائص.
فإن كان لا يرى أن يبدل حاله بحال غيره ، مثل أن لا يعرف شخصا يرتضى لنفسه حاله بدلا عن حال نفسه ، إما على الجملة ، أو في أمر خاص ، فإن الله عليه نعما ليست له على أحد من عباده سواه ، وإن كان يرى أنه يبدل حال نفسه بحال بعضهم دون بعض ، فلينظر إلى عدد المغبوطين عنده ، فإنه يراهم عنده لا محالة أقل من غيرهم ، فيكون من دونه في الحال أكثر بكثير ممن فوقه ، فما باله ينظر إلى من فوقه ولا ينظر إلى من دونه؟!
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وآله وسلم : «إذا نظر أحدكم إلي من فضل عليه في المال والخلق ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه» وقد رواه الترمذي بلفظ آخى : «انظروا إلي من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلي من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».