قد يستنفد عمله ؛ فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفدان طاعاته كلها ، هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدا مملوكا مستعملا فيما يأمر به سيده فنفسه مملوكة وأعماله مستحقة عليه بموجب العبودية فلا يستحق ثوابا ولا جزاء ؛ فلو أمسك الثواب والجزاء الّذي يتنعم به لم يكن ظالما ؛ فإنه يكون قد فعل ما وجب عليه بحق كونه عبدا ، ومن لم يحكم هذا الموضع فإنه عند الذنوب وعقوباتها يصدر منه من الأقوال ما يكون فيها أو في بعضها خصما لله متظلما منه شاكيا له ، وقد وقع في هذا من شاء الله من الناس ، ولو حركت النفوس لرأيت العجب.
ومما يوضح ذلك أنه سبحانه عادل ، لو عم أهل السماوات والأرض بالعذاب لكان عادلا ، فهو إنما ينزل العذاب بسبب من يستحقه منهم ثم يعم العذاب من لا يستحقه كما أهلك سبحانه الأمم المكذبين بعذاب الاستئصال وأصاب العذاب الأطفال والبهائم ومن لم يذنب ، وكذلك إذا عصاه أهل الأرض أمسك عنهم قطر السماء ، فيصيب ذلك العذاب البهائم والوحوش في الفلوات ، فتموت الحبارى في وكورها هزالا بخطايا بنى آدم ، ويموت الضب في جحره جوعا. وقد أغرق الله أهل الأرض كلهم بخطايا قوم نوح وفيهم الأطفال والبهائم ، ولو يكن ذلك ظلما منه سبحانه ، فالعقوبة الإلهية التى اشترك الناس في أسبابها تأتى عامة ، وقد كسر الصحابة رضي الله عنهم يوم أحد بذنوب أولئك الذين عصوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخلوا مراكزهم ، وانهزموا يوم حنين لما حصل لبعضهم من الإعجاب بكثرتهم ، فعمت عقوبة ذلك الإعجاب ، وهذا عين العدل والحكمة لما في ذلك من المصالح التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وغاية ما يقال : فهلا خصت العقوبة صاحب الجريمة؟ فيقال : العقوبة العامة التي تبقى آية وعبرة وموعظة ؛ لو وقعت خاصة لارتفعت الحكمة المقصودة منها ، وفاتت العبرة ولم يظهر للناس أنها بذلك السبيل ، بل لعل قائلا يقول : قدرا اتفق. وإذا أصاب العذاب من لا يستحقه. فمن يثاب في الآخرة معجل له