المتحيرين الذين كثر في باب العلم بالله اضطرابهم ، وغلظ عن معرفة الله حجابهم ، وأخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم ، وأنه الشك والحيرة حيث يقول (١) :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها |
|
وسيّرت طرفي بين تلك المعالم |
فلم أر إلا واضعا كفّ حائر |
|
على ذقنه أو قارعا سن نادم |
ويقول الآخر (٢) :
نهاية إقدام العقول عقال |
|
وأكثر سعى العالمين ضلال |
وأرواحنا في وحشة من جسومنا |
|
وغاية دنيانا أذى ووبال |
ولم نستفد من بحثنا طول دهرنا |
|
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا |
وقال الآخر (٣) : «لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم
__________________
(١) القائل هو الإمام الشهرستاني : أبو الفتح محمد ابن أبي القاسم عبد الكريم ، الأشعري صاحب كتاب «الملل والنحل» وله كتاب في علم الكلام أسماه : «نهاية الإقدام في علم الكلام» وذكر في أوله هذين البيتين.
(٢) القائل هو فخر الدين الرازي : أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمى البكرى الرازي الأشعرى.
(٣) القائل هو إمام الحرمين أبو المعالي ابن الجوينى ، وورد هذا الكلام بلفظ آخر ، قال : لقد جلت أهل الإسلام جولة وعلومهم ، وركبت البحر الأعظم ، وغصت في الّذي نهوا عنه ، كل ذلك في طلب الحق ، وهربا من التقليد ، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق ، عليكم بدين العجائز فإن لم يدركنى الحق بلطف بره فأموت على دين العجائز ، ويختم عاقبة أمرى عند الرحيل بكلمة الإخلاص ، فالويل لابن الجوينى ـ أورده ابن الجوزي في «تلبيس إبليس».
وورد عنه أنه قال عند موته : يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أنه يبلغ بى ما بلغ ما تشاغلت به.
وروى ابن الجوزي بإسناده عن أحمد بن سنان قال : كان الوليد بن أبان الكرابيسى خالى فلما حضرته الوفاة قال لبنيه : تعلمون أحدا أعلم بالكلام منى؟! قالوا : لا ، قال :