عن ذلك كله ؛ فلم يبلغ العباد ضره فيضروه ، ولا نفعه فينفعوه ، ولو أن أول خلقه وآخرهم ، وإنسهم وجنهم ، كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما ضره ذلك شيئا ولا نقصه من ملكه شيئا (١). وأما أنه لا مصلحة للمعاقب ولا لغيره في ذلك فظاهر. فتعين القسم الأخير وهو أنه مصلحة فيها ، ودون ذلك فهو عبث يتعالى الله عنه ، سبحانه أن يخلق باطلا أو سدى أو عبثا أو خاليا عن مصلحة وحكمة ؛ وهذا بخلاف ما إذا قيل : وضعت العقوبة لمصلحة ، وتقدرت بقدرها ، فإذا حصلت الحكمة والغاية المطلوبة منها وترتب المصلحة التى قصدت بها عاد الأمر إلى الرحمة والجود.
ثم إن هذه النفوس الظالمة الكافرة لها بداية وتوسط ونهاية فهي في بدايتها قابلة للحق والعدل ، ولهذا لم يعذبها الله في هذه الحال وإن علم منها أنها إنما تختار الكفر ، وأما في حال توسطها من حيث عقلت وقامت عليها الحجة فإنها استحقت العذاب حينئذ لأن العقوبة مع الجناية ؛ فاقتضت الحكمة تأخيرها إلى دار الجزاء لعلها أن تراجع الحق فضرب لها مدة الحياة أجلا وأمدا تتمكن فيه الرجوع إلى الحق واستدراك الفارض فلما لم تفعل ذلك ختم عليها العقوبة ،
__________________
(١) روى مسلم فى «صحيحه» عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : «يا عبادى أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم ، يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم ، يا عبادى انكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى.
يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكى شيئا ، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكى شيئا ، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.