مصير سار إليه العباد. فيقول لهما : بما قدمت أيديكم وما أنا بظلام للعبيد ، قال فيأمر بصرفهما إلى النار ؛ قال : فأما أحدهما فيعدو في أغلاله وسلاسله حتى يقتحمها وأما الآخر فتلكأ فيؤمر بردهما ، فيقول للذي عدا في أغلاله وسلاسله حتى اقتحمها : ما حملك على ما صنعت وقد خبرتها؟ فيقول إني (قد) خبرت من وبال المعصية ما لم أكن لأتعرض لسخطك ثانية ، فيقول الله للثاني : ما حملك على ما صنعت؟ قال : حسن ظني بك حين أخرجتني ألا تردني إليها ، فرحمهماالله تعالى وأمر بهما إلى الجنة» وفي رواية «إنه يقول للأول : لو حذرتني مثل حذرك في الآخرة لم أدخلك النار ، ويقول للآخر : لو أحسنت ظنك بي في الدنيا مثل حسن ظنك بي اليوم ما أدخلتك الجنة» (١).
وفي «المسند» وغيره من حديث الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة : المعتوه ، والأصم والمتوفى في الفترة. وأن الله تعالى يؤجج لهم نارا ويقول : اقتحموها ، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن امتنع جر إليها (٢).
فهؤلاء لما آثروا مرضاته بالعذاب على مرضاة أنفسهم وقام بقلوبهم أن رضاه في تعذيبهم أحب إليه من رضاهم في خلافه استحالت النار في حقهم وانقلبت بردا وسلاما وهذا أمر مشاهد في الواقع بين الناس ، وهو في اقتضاء التوبة بدفعها فإن المذنب لو بلغت ذنوبه عنان السماء إذا ألقي نفسه بفناء من أساء إليه ، وتوسد عتبة بابه ؛ فوضع خده عليها ، مستسلما مسلما نفسه إليه ليقضى فيها ما أراد ، راضيا بما يقضيه فيه ، حامدا له عليه ، عالما أن الحق له ، وقد سلم إليه محل الحق يستوفيه منه فإنه متى فعل ذلك أذهب ما في قلب من أساء إليه من الحنق والغيظ ، وعاد مكان الغضب عليه رقة ورحمة ، هذا مع حاجته وبلوغ آذاه ووصوله إليه وقلة صبره وضعف احتماله فكيف بالغني الحميد الذي لن يبلغ العباد ضره ولا نفعه ، فلا تزيد عقوبتهم في ملكه شيئا وهو أرحم الراحمين.
__________________
(١) [ضعيف الإسناد] رواه ابن أبي الدنيا في «حسن الظن بالله» وإسناده منقطع وفيه ضعيف.
(٢) [صحيح الإسناد] أخرجه الإمام أحمد (٤ / ٢٤) ، وابن حبان (٧٣١٣ ـ إحسان) ، والبيهقى في «الاعتقاد» وقال : إسناده صحيح ا ه أفاده ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٣١).