أما الأمر اللفظي فإطلاق هذه الألفاظ عليه سبحانه لا يتوقف على إطلاقها على المخلوق ليعلم أنها مجاز لتوقفها على المسمى الآخر كما قدمنا من قوله (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (الرعد : ١٣) وقوله (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (الأعراف : ٩٩) فظهر أن هذا الفرق الّذي اعتبروه فاسد لفظا ومعنى. يوضحه :
* * *
الوجه السادس والعشرون : إن هاهنا ألفاظا تطلق على الخالق والمخلوق أفعالها ومصادرها وأسماء الفاعلين والصفات المشتقة منها ، فإن كانت حقائقها ما يفهم من صفات المخلوقين وخصائصهم ، وذلك منتف في حق الله تعالى قطعا لزم أن تكون مجازا في حقه لا حقيقة ، فلا يوصف بشيء من صفات الكمال حقيقة وتكون أسماؤه الحسنى كلها مجازات ، فتكون حقيقة للمخلوق مجازا للخالق. وهذا من أبطل الأقوال وأعظمها تعطيلا. وقد التزمه معطلو الجهمية وعمومهم ، فلا يكون رب العالمين موجودا حقيقة ، ولا حيا حقيقة ، ولا مريدا حقيقة ، ولا قادرا حقيقة ، ولا ملكا حقيقة ، ولا ربا حقيقة ، وكفى أصحاب هذه المقالة بها كفرا. فهذا القول لازم لكل من ادعى المجاز في شيء من أسماء الرب وأفعاله لزوما لا محيص له عنه. فإنه إنما فر إلى المجاز لظنه أن حقائق ذلك مما يختص بالمخلوقين ولا فرق بين صفة وصفة ، وفعل وفعل ، فإما أن يقول الجميع مجاز أو الجميع حقيقة.
وأما التفريق بين البعض وجعله حقيقة وبين البعض وجعله مجازا فتحكم محض باطل ، فإن زعم هذا المتحكم أن ما جعله مجازا ما يفهم من خصائص المخلوقين وما جعله حقيقة ليس مفهومه مما يختص بالمخلوقين طولب بالتفريق بين النفي والإثبات وقيل له : بأي طريق اهتديت إلى هذا التفريق؟ بالشرع أم العقل أم باللغة؟ فأى شرع أو عقل أو لغة أو فطرة على أن الاستواء والوجه واليدين والفرح والضحك والغضب والنزول حقيقة فيما يفهم من خصائص المخلوقين ، والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة حقيقة فيما لا يختص به