المخلوق.
فإن قال : أنا لا أفهم من الوجه واليدين والقدم إلا خصائص المخلوق ، وأفهم من السمع والبصر والعلم والقدرة ما لا يختص به المخلوق ، قيل له : فبم تنفصل عن شريكك في التعطيل إذا ادعى في السمع والبصر والعلم مثل ما ادعيته أنت في الاستواء والوجه واليدين؟ ثم يقال لك : هل تفهم مما جعلته حقيقة خصائص المخلوق تارة وخصائص الخالق تارة ، أو القدر المشترك ، أو لا تفهم منها إلا خصائص الخالق ، فإن قال بالأول كان مكابرا جاهلا ، وإن قال بالثاني قيل له فهلا جعلت الباب كله بابا واحدا وفهمت ما جعلته مجازا خصائص المخلوق تارة والقدر المشترك تارة ، فظهر للعقل أنكم متناقضون. يوضحه :
* * *
الوجه السابع والعشرون : إن هذه الألفاظ التي تستعمل في حق الخالق والمخلوق لها ثلاث اعتبارات : (أحدها) أن تكون مقيدة بالخالق كسمع الله وبصره ووجهه ويديه واستوائه ، ونزوله وعلمه وقدرته وحياته ، (الثاني) : أن تكون مقيدة بالمخلوق كيد الإنسان ووجهه ويديه واستوائه ، (الثالث) : إن تجرد عن كلا الإضافتين وتوجد مطلقة ، فإثباتكم لها حقيقة ، إما أن يكون بالاعتبار الأول أو الثاني أو الثالث ، إذ لا رابع هناك ، فإن جعلتم جهة كونها حقيقة تقيدها بالخالق لزم أن تكون في المخلوق مجازا. وهذا مذهب قد صار إليه أبو العباس الناشي ووافقه عليه جماعة ، وإن جعلتم جهة كونها حقيقة تقيدها بالمخلوق لزم أن تكون في الخالق مجازا. وهذا مذهب قد صار إليه إمام المعطلة جهم بن صفوان ، ودرج أصحابه على أثره (١) ، وإن جعلتم جهة كونها حقيقة القدر المشترك ، ولم تدخل القدر المميز في موضوعها لزم أن تكون حقيقة في
__________________
(١) تقدم التعريف بجهم والجهمية.