يستعمل اللفظ المجرد في غير ما وضع له ، بل ركب مع لفظ آخر ، فهو وضع أولا بالإضافة ، ولو أنه استعمل مضافا في معنى ثم استعمل بتلك الإضافة بعينها في موضع آخر أمكن أن يكون مجازا ، بل إذا كان بعلبك وحضرموت ونحوهما من المركب تركيب مزج بعد أن كان أصله الإفراد وعدم الإضافة لا يقال فيه أنه مجاز ، فما لم تنطق به إلا مضافا أولى أن لا يكون مجازا فتأمله.
الوجه الثلاثون : إن مثبت المجاز والاستعارة ، قد ادعى أن المتكلم وضع هذه اللفظة في غير موضوعها ولا سيما الاستعارة ، فإن المستعير هو آخذ ما ليس له في الحقيقة ، فإذا قال هذه اللفظة مجاز أو استعارة فقد ادعى أنها وضعت في غير موضعها ، فيقال له : فهما أمران مستعار ومستعار منه ، فلا تخلو الكلمة التي جعلت الأخرى مستعارة منها وهي أصلية غير مستعارة أن تكون قد جعلت كذلك لخاصة فيها اقتضت أن تكون هي الأصل المستعار منه ، أو تكون كذلك لأن لغة العرب جاءت بها وثبت استعمالهم لها.
فإن قلتم : إنما كانت مستعارا منها وهي أصل لعلة أوجبت لها ذلك في نفس لفظها ، قيل لكم : ما هي تلك العلة وما حقيقتها؟ ولن تجدوا إلى تصحيح ذلك سبيلا.
وإن قلتم إنما كانت أصلا مستعارا منها لأن العرب تكلمت بها واستعملتها في خطابها ، قيل لكم فهذه العلة بعينها موجودة في الكلمة التي ادعيتم أنها مستعارة وأنها مجاز ، والعرب تكلمت بهذا وهذا ، فإما أن تكونا مستعارتين أو تكونا أصليتين ؛ وأما أن تجعل إحداهما أصلا للأخرى ومعيرة لها الاستعمال ، فهذا تحكم بارد.
فإن قلتم : إنما جعلنا هذه أصلا لكثرتها في كلامهم ، وهذه مستعارة لقلتها في كلامهم. قيل هذا باطل من وجوه : (أحدها) أن كثيرا من الحقائق نادرة الاستعمال في كلامهم ، وهى الألفاظ الغريبة جدا التي لا يعرف معناها إلا الأفراد من أهل اللغة مع كونها حقائق. (ثانيهما) : أن كثيرا من المجازات