لا يستعمل ولا يكون حقيقة ولا مجازا والمستعمل معه من القرائن ما يدل على المراد منه ويكون هو السابق إلى الفهم ، والمقدمتان لا ينكرهما المنازع ولا أحد من العقلاء. وذلك مما يرفع المجاز بالكلية.
الوجه الخامس والأربعون : إن القائلين بالمجاز قد أبطل بعضهم ضوابط بعض. قال أبو الحسين : وقد قيل إن الشيء إذا سمى باسم ما هو جزاء عنه كان حقيقة كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠) أو باسم ما يؤدى إليه كالنكاح أو باسم ما يشبهه كتسمية البليد حمارا كان مجازا. قال أبو الحسين : ولقائل أن يقول لا يمتنع أن يستعمل في الشيء وفيما يشبهه وفيما هو جزاء عنه وفيما يؤدى إليه في أصل الوضع.
قال شيخنا : قول هؤلاء باطل بل هو بالضد أحق ، فإن الشيء يسمى باسم ما هو جزاء عنه فيكون حقيقة كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) وقوله صلىاللهعليهوسلم «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» (١) قال تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (النساء : ٨٦) وقال تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) (التوبة : ٧) وقال تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (محمد : ٧) (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (الحج : ٤٠) وكذلك سمى الشيء باسم ما يشبهه ويكون حقيقة بل عامة أسماء الحقائق وأسماء الأجناس معلقة على الشيء وعلى ما يشبهه ، فكون الشيء يشبه المعنى يقتضي كون اللفظ حقيقة فيهما متواطئا أو مشككا ، ولا يقتضي أن يكون مجازا في أحد المتشابهين كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.
وكذلك لفظ النكاح فلم يقع في القرآن إلا والمراد به العقد والوطء فيتناولها جميعا ، وأما اختصاصه بالوطء وحده فليس في القرآن ولا في موضع واحد لكن
__________________
(١) رواه مسلم (٢٦٩٩) عن أبي هريرة ، ورواه البخارى (٢٤٤٢) بنحوه عن ابن عمر.