معنى دون معنى على التدريج حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم ، ولا وقفوه على معانى الأسماء ، وإن كان احيانا قد يسأل عن مسمى بعض الأسماء فيوقف عليها ، كما يترجم للرجل اللغة التي لا يعرفها فيوقف على معانيها لا أنه يصطلح معه على وضع ألفاظها لمعانيها.
ولا ننكر أن يحدث في كل زمان أوضاع لما يحدث من المعانى التي لم تكن قبل ولا سيما أرباب كل صناعة فإنهم يضعون لآلات صناعتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه في تفهيم بعضهم مراد بعض عند التخاطب ، ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك ، وهذا أمر عام لأهل كل صناعة مقترحة أو غير مقترحة ، بل أهل كل علم من العلوم قد اصطلحوا على ألفاظ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم ، فهذه الاصطلاحات الحادثة والتى يعرف فيها الوضع السابق على الاستعمال ، وليس الكلام فيها والظاهر والله أعلم أن أرباب المجاز قاسوا أصول اللغة عليها ، وظنوا أن التخاطب العام بأصل اللغة جاز هذا المجرى ، وإدخال المجاز في كلام الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم وكلام العرب بهذا الطريق باطل قطعا.
وكأني ببعض أصحاب القلوب الغلف يقول : وهل لأحد أن يحمل قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقطعوا عنى لسانه» (١) لمن امتدحه ، وقوله : «إن خالدا
__________________
(١) [ضعيف الإسناد] رواه ابن سعد في «الطبقات» (٤ : ٢ : ١٦) ، وسببه كما رواه الخطابي في «الغريب» عن ابن شهاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قسم غنائم حنين فضل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في العطاء فقال العباس بن مرداس :
كانت نهابا تلافيتها |
|
بكرى على المهر بالأجرع |
فأصبح نهبى ونهب العبيد |
|
بين عيينة والأقرع |
وقد كنت في القوم ذا تدرأ |
|
فلم أعط شيئا ولم أمنع |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اقطعوا لسانه عنى ، وروى فيه عن عكرمة قال : يا بلال اقطع لسانه عنى فأعطاه أربعين درهما ، فقال : قطعت لسانى في الله ، وهما مرسلان ، قال الخطابي : ومعناه أعطوه ما يسليه ويرضيه ، كنى باللسان عن الكلام. أفاده العجلوني في «كشف الخفاء» ، وانظر «الإتحاف» (٧ / ٤٩٥) والقصة في «صحيح مسلم» بنحوه دون قوله «اقطعوا ... إلخ».