وإن كان معهودا في اصطلاح المتأخرين. وهذا مما ينبغى التنبه له ؛ فإنه حصل بسببه من الكذب على الله ورسوله ما حصل ، كما تأولت طائفة قوله تعالى (فَلَمَّا أَفَلَ) بالحركة. وقالوا : استدل بحركته على بطلان ربوبيته ، ولا يعرف في لغة العرب التي نزل بها القرآن أن الأفول هو الحركة في موضع واحد البتة. وكذلك تأويل الأحد بأنه الذي لا يتميز منه عن شيء البتة. ثم قالوا : لو كان فوق العرش لم يكن أحدا ؛ فإن تأويل الأحد بهذا المعنى لا يعرفه أحد من العرب ولا أهل اللغة ؛ إنما هو اصطلاح الجهمية والفلاسفة والمعتزلة ومن رافقهم.
وكتأويل قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) بأن المعنى أقبل على خلق العرش ؛ فإن هذا لا يعرف في لغة العرب ولا غيرها من الأمم ، لا يقال لمن أقبل على الرحل استوى عليه ، ولا لمن أقبل على عمل من الأعمال من قراءة أو دراسة أو كتابة أو صناعة قد استوى عليها ، وهذا التأويل باطل من وجوه كثيرة سنذكرها بعد إن شاء الله تعالى ، لو لم يكن منها إلا تكذيب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لصاحب هذا التأويل لكفاه. فإنه ثبت في «الصحيح» «إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وعرشه على الماء» (١) فكان العرش موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. فكيف يقال إنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم أقبل على خلق العرش؟ والتأويل إذا تضمن تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم فحسبه ذلك بطلانا.
(الخامس) ما ألف استعماله في غير ذلك المعني لكن في غير التركيب الذي ورد النص ؛ فيحمله المتأول في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر كتأويل اليدين في قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥). بالنعمة ، ولا ريب أن العرب تقول : لفلان عندي يد. وقال
__________________
(١) أخرجه مسلم في (القدر / ٢٦٥٣) من حديث عبد الله بن عمرو وأوله : «كتب الله مقادير الخلائق».