والمقصود بهذا الوجه أنه إن ظهر مراد المتكلم لم يجز أن يحمل على خلاف ظاهره ويدعى أنه مجاز بالنسبة إلى ذلك المحمل ؛ إذ حقيقته هو المفهوم منه ، فدعوى المجاز باطلة وإن ادعى صرفه عن ظاهره إلى خلافه وإن ذلك مجاز فهو باطل أيضا ، فبطلت دعوى المجاز على التقديرين ، فإن ظاهر اللفظ ومفهومه
__________________
ويشهد للقول الأول أى أن حلاوة الإيمان من الحلو : (الطعم والمذاق).
قول بلال رضي الله عنه : «أحد أحد» ، حين عذب في الله إكراها على الكفر ، فمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان ، وأيضا قوله عند موته : وا طرباه غذا القى الأحبة محمدا وصحبه ، وأهله يقولون : وا كرباه ، فمزج مرارة الموت بحلاوة الإيمان بلقاء الله (أفاده القسطلانى).
وكذلك موقف سحرة فرعون لما آمنوا وقد هددهم فرعون كما حكاه عنه المولى عزوجل في قوله : (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى).
فلم يهابوا منه مع جبروته خاصة وأنه في هذان الموقف كان في صولجان ملكه كله ـ ومع ذلك لما خالط الإيمان بشاشة قلوبهم ، وآثروا مرضاة الله وحبه على أي شيء كان ردهم ما حكاه عنهم سبحانه (قالُوا : لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه : ٧٢ ـ ٧٣).
وإذا افتقد المسلم شرط من هذه الخصال الثلاث ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .... الخ الحديث ـ لا يجد حلاوة الإيمان ، فعدم توافر هذه الخصال عند المسلمين اليوم جعلهم لا يجدون لذة حلاوة في الطاعة ويظهر ذلك في الصلوات ووقعها عليهم مثل جبل ، وكذا باقى الطاعات.
قال الإمام القسطلاني : فالقلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعم الإيمان ويتنعم به ، كما يذوق الفم طعم العسل وغيره ، من ملذوذات الأطعمة ويتنعم بها ، ولا يذوق ذلك ويتنعم به إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، من نفس وولد وأهل ومال وكل شيء.
ومن هنا قال ـ في الحديث ـ «مما» ولم يقل «ممن» ليعم العاقل وغيره اه (إرشاد السارى) بتصرف وللمزيد راجع رسالتنا المسماة ب «السعادة والأمان».