فهذا الذوق الباطن بالحاسة الباطنة ، وذوق الظاهر بالحاسة الظاهرة ، وهذا حقيقة في مورده ، وهذا حقيقة في مورده.
وكذلك الحلاوة والطعم هى بحسب المضاف إليه ، فحلاوة الإيمان وطعمه معنويان ، وحلاوة العسل وطعمه حسيان ، كل منهما حقيقة فيما أضيف إليه (١).
__________________
(١) جاء في الحديث أن للإيمان «حلاوة ، طعم» : أى لذة ومذاق ، فهل هذه اللذة وهذا المذاق ، شيء محسوس؟ أم هو شيء معنوى؟! قال بكل قوم : ـ
قال العلماء : إن اشتقاق «حلاوة الإيمان» من «الحلو» : الطعم ، وليس من «الحلى» : أي الزينة والحسن ، فهي شيء محسوس ، وهو ما اعتمده الأئمة كالنووى والحافظ ابن حجر العسقلانى ، القسطلانى ، والبدر العينى عند شرحهم للحديث ، قال القسطلاني : إن حلاوة الإيمان من ثمرات الإيمان ، فهى أصل زائد عليه ا ه ، فهي غير قوة الإيمان ، وشدة الإيمان.
وقال بعضهم إن كان من الحلى : فمعنى ذلك : حسن الإيمان قاله التيمى ، وقال الإمام القسطلانى : إن كان على القول الثانى ـ يعنى أنه معنوى ـ فهو على سبيل المجاز والاستعارة الموضحة للمؤلف ـ يعنى البخارى على استدلاله بزيادة الإيمان ونقصه ، لأن في ذلك تلميحا إلي قضية المريض والصحيح ، لأن المريض الصفراوى يجد طعم العسل مرا بخلاف الصحيح ، فكلما نقصت الصحة نقص ذوقه بقدر ذلك ، وتسمى هذه الاستعارة «تخيلية» ا ه (إرشاد السارى : ١ / ١٣٨).
قلت : وكقوله سبحانه وتعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فالقرآن هاد في ذاته ، ولكن المرض في السامع له.
وقال ابن أبي جمرة : إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ، تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (إبراهيم : ٢٤).
فالكلمة هي : الإخلاص ، كلمة التوحيد ، والشجرة : أصل الإيمان ، وأغصانها : اتباع الأمر واجتناب النهى ، وورقها : ما يهتم به المؤمن من الخير ، وثمرها : عمل الطاعات ، وحلاوة الثمر : جنى الثمر ، وغاية كماله : تناهى نضج الثمرة ، وبه تظهر حلاوتها ا ه (أفاده الحافظ في «الفتح» ١ / ٧٧).