أشبه منه بالتبيين ، فتعالى عنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وقد صرح الناس قديما وحديثا بأن الله لا يجوز أن يتكلم بشيء ويعنى به خلاف ظاهره.
* * *
قال الشافعي : وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم على ظاهره ، وقال صاحب «المحصل» في الباب التاسع من أحكام اللغات (المسألة الثانية) لا يجوز أن يعنى الله سبحانه بكلامه خلاف ظاهره ، والخلاف فيه مع المرجئة. قال : لنا أن اللفظ بالنسبة إلى غير ظاهره مهمل والتكلم به غير جائز علي الله تعالى ، ثم أجاب عن شبه المنازعين بأن قال : لو صح ما ذكرتموه لم يبق لنا اعتماد علي شيء من أخبار الله تعالى ، لأنه ما من خبر إلا ويحتمل أن يكون المراد به غير ظاهره. وذلك ينفي الوثوق. ا ه.
وعلى هذا فنقول : إذا كان ظاهر كلام الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم والأصل فيه الحقيقة لم يجز أن يحمل على مجازه وخلاف ظاهره البتة لما ذكره من الدليل فإن المجاز لو صح كان خلاف الأصل والظاهر ولا يجوز الشهادة على الله سبحانه ولا علي رسوله صلىاللهعليهوسلم أنه أراد بكلامه خلاف ظاهره وحقيقته ، ولا في موضع واحد البتة ، بل كل موضع ظهر فيه المراد بذلك التركيب والاقتران فهو ظاهره وحقيقته لا ظاهر له غيره ، ولا حقيقة له سواه ، وقوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (النحل : ١١٢) حقيقته وظاهره إنه اجاعها بعد شبعها ، وأخافها بعد أمنها ، وألبس بواطنها ذل الجوع وذل الخوف ، فصار ذلك لباسا لبواطنهم تذوقه وتباشره ، ولباس كل شيء بحسبه ، ولباس الظاهر ظاهر ، ولباس الباطن باطن ، فذوق كل شيء بحسبه ، فذوق الطعام والشراب بالفم ، وذوق الجوع والخوف بالقلب ، وذوق الإيمان بالقلب أيضا ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» (١)
__________________
(١) رواه مسلم (٣٤) ، والإمام أحمد (١ / ٢٠٨).