الشعر منه ما لا أحصيه ؛ قال وهذا يدفع دفع أبي الحسن القياس عن حذف المضاف وإن لم يكن حقيقة ، أو لا يعلم أبو الحسن كثرة المجاز عليه وسعة استعماله وانتشار مواقعه كقام أخوك وجاء الجيش وضربت زيدا ونحو ذلك ، كل ذلك مجاز ، وهو على غاية الانقياد والاطراد فكذلك حذف المضاف.
فإن قيل : يجيء من هذا أن تقول ضربت زيدا وإنما ضربت غلاما وولده ، قيل هذا الذي شنعت به بعينه جائز ألا تراك تقول إنما ضربت زيدا لضربك لغلامه ، وأهنته بإهانتك ولده ؛ وهذا باب يصلحه ويفسده المعرفة به ، فإن فهم عنك في قولك ضربت زيدا أنك إنما أردت بذلك (ضربت) غلامه أو أخاه أو نحو ذلك جاز ، وإن لم يفهم عنك لم يجز كما أنك إن فهم بقولك (أكلت) الطعام أكلت بعضه لم يحتج إلى البدل.
وإن لم يفهم عنك وأوردت إفهام المخاطب إياه لم تجد بدا من البيان وأن تقول بعضه أو نصفه أو نحو ذلك : ألا ترى أن الشاعر لما فهم عنه ما أراد بقوله :
صبحن من كاظمة الحصن الخرب |
|
يحملن عباس بن عبد المطلب |
وإنما أراد عبد الله بن عباس ، ولو لم يكن من الثقة يفهم ذلك لم يجد بدا من البيان ، وعلى ذلك قول الآخر : عليم بما أعيا النطاسي حذيما.
وإنما أراد ابن حذيم قال : ويدل على إلحاق المجاز بالحقيقة عندهم وسلوكه طريقتهم في نفوسهم أن العرب قد وكدته كما وكدت الحقيقة ، وذلك قول الفرزدق :
عيشة سال المربدان كلاهما |
|
سحابة موت بالسيوف الصوارم |
وإنما هو مربد واحد فثناه مجازا لما يتصل به من مجاوره ؛ ثم إنه رفع ذلك ووكده وإن كان مجازا ، وقد يجوز أن يكون سمى كل واحد من جانبيه مربدا.
وقال الآخر :
إذا البيضة الصماء عضت صفيحة |
|
بحرباتها صاحت صياحا وصلت |
فأكد صاحت وهو مجاز بقوله (صياحا) وأما قول الله عزوجل (وَكَلَّمَ اللهُ