الوجه السادس : قولهم : (الرحمة رقة القلب) تريدون رحمة المخلوق أم رحمة الخالق أم كل ما سمي رحمة شاهدا أو غائبا ، فإن قلتم بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئا ، وإن قلتم بالثاني. والثالث كنتم قائلين غير الحق ، فإن الرحمة صفة (الرحيم) وهي في كل موصوف بحسبه ، فإن كان الموصوف حيوانا له قلب فرحمته من جنسه رقة قائمة بقلبه ، وإن كان ملكا فرحمته تناسب ذاته ، فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة ، لم يلزم أن تكون رحمته من جنس المخلوق لمخلوق وهذا يطرد في سائر الصفات كالعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة والإرادة إلزاما وجوابا ، فكيف يكون رحمة أرحم الراحمين مجازا دون السميع العليم؟
الوجه السابع : إن اسم الرحمة استعمل في صفة الخالق وصفة المخلوق ، فإما أن يكون حقيقة في الموصوفين ، أو حقيقة في الخالق مجازا في المخلوق أو عكسه ، فإذا كانت حقيقة فيهما ، فإما حقيقة واحدة وهو التواطؤ أو حقيقتان وهو الاشتراك ، ومحال أن تكون مشتركة لأن معناها يفهم عند الإطلاق ويجمعهما معنى واحد ويصح تقسيمهما ، وخواص المشترك منفية عنها ، ولأنها لم يشتق لها وضع في حق المخلوق ، ثم استعبرت من المخلوق للخالق ، تعالى الله عما يقول أهل الزيغ والضلال فبقي قسمان : (أحدهما) أن تكون حقيقة في الخالق مجازا في المخلوق (والثاني) أن تكون حقيقة متواطئة أو مشتركة ، وعلى التقديرين فبطل أن يكون إطلاقها على الله سبحانه مجازا.
الوجه الثامن : إنه من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازا ، ورحمة العبد الضعيفة القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة ، وهل في قلب الحقائق أكثر من هذا فالعباد إنما حصلت لهم هذه الصفات التي هي كمال في حقهم ، من آثار صفات الرب تعالى. فكيف تكون لهم حقيقة ، وله مجاز ، يوضحه :
الوجه التاسع : وهو ما رواه أهل «السنن» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : يقول الله تعالى : «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها