وصلته ، ومن قطعها قطعته» (١) فهذا صريح في أن اسم الرحمة مشتق من اسمه الرحمن تعالى ، فدل على أن رحمته لما كانت هي الأصل في المعنى كانت هي الأصل في اللفظ ، ومثل هذا قول حسان رضي الله عنه في النبي صلىاللهعليهوسلم.
فشق له من اسمه ليجله |
|
فذو العرش محمود وهذا محمد |
فإذا كانت أسماء الخلق المحمودة مشتقة من أسماء الله الحسنى كانت أسماؤه يقينا سابقة ، فيجب أن تكون حقيقة لأنها لو كانت مجازا لكانت الحقيقة سابقة لها. فإن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ، فيكون اللفظ قد سمي به المخلوق ثم نقل إلى الخالق ، فهذا باطل قطعا.
الوجه العاشر : ما في «الصحيحين» عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي» (٢) وفي لفظ (غلبت) وقال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام : ٥٤) فوصف نفسه سبحانه بالرحمة وتسمى بالرحمن قبل أن يكون بنو أدم ، فادعاء المدعى أن وصفه بالرحمن مجاز من أبطل الباطل.
الوجه الحادي عشر : إن أسماء الرب قديمة لم يستحدثها من جهة خلقه ، بل لم يزل موصوفا بها مسمى بها ، والمجاز مسبوق بالحقيقة وضعا واستعمالا ومرتبة ، وذلك كله ممتنع بالنسبة إلى أسماء الله تعالى.
فإن قيل بل بعضها مستعار من بعض وفيها الحقيقة وفيها المجاز ، ومجازها مستعار من حقائقها ، كالرحمن مستعار من اسم المحسن ، وذلك لا محذور فيه.
قيل : هذا لا يصح لأن الحقيقة والمجاز من عوارض الوضع والاستعمال ، وهما معا وأيا ما كان لم تصح دعوى المجاز فيه بوجه من الوجوه.
__________________
(١) [صحيح] أخرجه الإمام أحمد (١ / ١٩٤) ، وأبو داود (١٦٩٤) والترمذي (١٩٠٧) ، وابن حبان في «صحيحه» (٤٤٤ ـ إحسان) وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» ، وانظر «السلسلة الصحيحة» (٥٢٠) له.
(٢) تقدم مرارا.